كتب ابراهيم الأمين في “الأخبار”:
لا يمكن أن تخفى وقائع الحرب على أحد. غبار التّفّه من السياسيين والإعلاميين يمكن أن يحجب الرؤية لبعض الوقت. لكننا نعيش في عالم محكوم بقوة العسكر والأمن والاستخبارات التقنية. وبالتالي، من غير المجدي أن يراهن شركاء العدو في الداخل على أنهم غير مرئيين، أو أن الناس لا يعرفون أفعالهم وما يخططون له، وما توّرطوا فيه من مشاريع ستقود البلاد من جديد الى أتون حرب أهلية. وهي حرب تريدها إسرائيل تتمةً لحرب الإبادة التي تشنّها اليوم. وفي كل يوم يفشل فيه العدو في كسر إرادة المقاومة، يزيد رهانه على حلفائه في المنطقة وداخل لبنان.
العدو يعرف أن ما أنجزه حتى الآن لا يكفي لفرض شروطه. لكنه يعرف أكثر أن ما هو مطلوب منه في لبنان لا يتعلق حصراً بأهدافه، بل بما هو مطلوب من قبل أميركا وحلفائها من العرب. وهو إذ يتعامل بجدية مع المصالح الأميركية ومصالح حلفائها العرب في لبنان، لا يظهر اهتماماً نوعياً أو رهاناً جدياً على أدوار لقوى لبنانية، سبق أن جرّبها في محطات كثيرة على مدى خمسة عقود من دون نتيجة. لكنه مضطرّ إلى الأخذ بالسردية الأميركية – العربية التي تحتاج الى هذه القوى المحلية.
ورغم كل الضربات القاسية التي وجّهها العدو الى المقاومة، فإن تعثّر عمليته البرية على طول الحدود جاء مخالفاً لتوقعات قوات الاحتلال وحساباتها. ويبدو أن صمود المقاومين شكّل صدمة للجانبين الأميركي والعربي، وقلقاً متزايداً لدى حلفائهم اللبنانيين، والخشية من أن يكون حزب الله قادراً على الصمود بما يحول دون إخضاع لبنان.
عام 2006، لم تنتظر المقاومة وقف إطلاق النار للتثبّت من خلفيات الحرب وأبعادها. لكنّ الحرب القائمة اليوم لا تتطلّب الكثير من البحث لمعرفة خلفياتها وأبعادها. ويتّضح ذلك من خلال استعجال أميركا وحلفائها من العرب واللبنانيين حصد النتائج داخل لبنان. والجديد هو أن هذ الفريق يبدو مضطرّاً إلى القيام بالدور المناط به، ما كشف الكثير مما كان في خانة المستور، مع العلم أن «صغارهم» يكثرون من الثرثرة، ويتصرفون مع فائض من الثقة بالنفس، وبقدرة العدوّ على التخلص من حزب الله كخطوة ضرورية لإعادة ترتيب النظام السياسي في لبنان بصورة تتناسب مع زمن التطبيع الشامل مع العدو.
واللافت أن الجهات اللبنانية التي تبدي استعدادها للقيام بدور في هذه الحرب، تسعى كذلك الى إعادة النظر في صيغة الحكم التي قامت تحت اسم «الطائف» باعتباره نتاج تسوية سورية – سعودية – أميركية في القرن الماضي. ويطمح هذا الفريق الى فرض صيغة حكم جديدة تناسبه. ومشكلة هؤلاء أنهم يفكرون مثل إسرائيل، لجهة الاعتقاد بأن ما لا يتحقق بالقوة يتحقق بالمزيد من القوة، ما يدفع بهم نحو مغامرات ولو أدت إلى حرب أهلية تدمّر البلاد تمهيداً لتقسيمها بإشراف خارجي.
الحرب القائمة دلّتنا على أخطاء كثيرة في تقديرنا لمرامي العدو، مثل الاعتقاد بأن الغرب وإسرائيل، وحتى العرب، ليسوا أصحاب مصلحة في انهيار لبنان. اليوم، في ظل ما يعتقدون أنه «انهيار حزب الله»، بات الأعداء يفضلون انهياراً شاملاً في لبنان، وإدخاله في حروب أهلية متنقلة، لا تبقي منطقة ومجموعة بعيدة عن النار والدمار.