لا نتيجة من زيارة هوكشتاين… والـ «لا الإسرائيليّة» تُقابلها «لا» لبنانيّة
كتبت دوللي بشعلاني في “الديار”:
حَمَل المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين خلال محادثاته امس الاثنين مع المسؤولين اللبنانيين ملفاً ضخماً، لم يكن من حاجة اليه كونه يحوي ورقة واحدة للشروط التي قدّمتها الحكومة «الإسرائيلية» لإدارة الرئيس الأميركي جو بادين الخميس الماضي، لتكون جزءاً من أي حلّ ديبلوماسي لإنهاء الحرب في لبنان ، والسماح للمدنيين النازحين من جانبي الحدود بالعودة الى منازلهم. وتضمّنت هذه الورقة مطالب «غير منطقية»، وليس «تعجيزية» فقط، على ما جرت العادة، أبرزها: السماح للجيش «الإسرائيلي» بالمشاركة في «التطبيق الفعلي» للتأكّد من عدم إعادة تسلّح حزب الله، وبناء بنيته التحتية العسكرية في المناطق الجنوبية القريبة من الحدود، وأن تتمتّع قوّاته الجويّة بحرية العمل في المجال الجوّي اللبناني… الأمر الذي يُناقض بنود القرار الأممي 1701.
هذا القرار الذي شدّد الموفد الأميركي خلال حديثه للإعلاميين في عين التينة، عن أنّه «الأساس» لإنهاء الصراع بين حزب الله و»إسرائيل»، ولكن لا بدّ من «إضافة مواد تتيح تطبيقه»، على ما قال، سيما أنّ «عدم تنفيذه هو ما ساهم في النزاع القائم اليوم». هذا وتقول «إسرائيل» من خلال شروطها، «لا» للجهود الديبلوماسية لإنهاء الحرب كونها ماضية في عدوانها على لبنان، على ما تؤكّد مصادر سياسية مطّلعة، وتريد أن يتم تطبيق القرار 1701 من الجانب اللبناني فقط. وهذه الـ «لا» تُقابلها حتماً «لا» من قبل السلطة اللبنانية والمجتمع الدولي. فمثل هذه المطالب «الوقحة»، تعني أنّ أميركا وحليفتها، تريدان انتزاع موقف رسمي من الدولة اللبنانية بفرض وصاية عليها وتقويض سيادتها. الأمر الذي رفضه لبنان حتى قبل زيارة هوكشتاين الى بيروت، إذ أعلن رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أنّ لبنان يتمسّك بتطبيق القرار 1701 كاملاً، من دون زيادة أو نقصان، وهو ما أعاد التأكيد عليه للموفد الأميركي شخصياً.
وتقول المصادر انّ «واشنطن» ترفض اليوم الحلّ الديبلوماسي في المنطقة، وإن أرسلت هوكشتاين مجدّداً الى لبنان، ووزير خارجيتها أنتوني بلينكن الى المنطقة، تحت عنوان «البحث عن حلّ ديبلوماسي للصراع بين حزب الله و “إسرائيل». ولو كانت فعلاً تريد إرساء هذا الحلّ لفعلت منذ أشهر، ولما انتظرت قبل أسبوعين من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لكي تقوم بمثل هذه الجهود.
أمّا هوكشتاين الذي جاء يقترح آلية تنفيذية للقرار 1701 فلا حاجة اليها، وفق المصادر، لأنّ القرار يمكن أن يُنفّذ تبعاً لما ينصّ عليه من بنود، وهو لا يحتاج الى أي آلية. علماً بأنّ هذا القرار الذي صدر في العام 2006، كان هناك حاجة اليه لوقف الأعمال العدائية بين حزب الله و “إسرائيل»، ولم تكن «إسرائيل» تنوي تطبيقه، بدليل بدء خرقها له مباشرة. كذلك فإنّ حزب الله لم يُنفّذه، بل بقي وضعه في الجنوب على ما كان عليه قبل صدوره، وإن لم يكن مستنفراً في منطقة الليطاني. في حين أنّ القرار «1701 بلاس»، هو نوع من إعلاء سقف الشروط، علّه تتمّ العودة الى القرار 1701، وفق الآلية التي يقترحها الموفد الأميركي، في حال خسرت القوّات «الإسرائيلية» معركتها البريّة مع مقاومي حزب الله. وهو ما يشير اليه الميدان حالياً.
وهذه الآلية، على ما أشارت المصادر نفسها، تتضمّن تطبيق القرارين 1559 الذي ينصّ على نزع سلاح المجموعات المسلّحة غير الشرعية، الأمر الذي يرفضه لبنان كونه لا يعتبر حزب الله مجموعة مسلّحة (أو إرهابية كما تصنّفه واشنطن وبعض الدول الغربية)، و1680 الذي يفرض نوعاً من الرقابة على الحدود البريّة والبحرية كذلك مع سوريا. ولكن من غير أن يُقال إنّه جرى تنفيذ هذين القرارين.
فهوكشتاين كان واضحاً خلال محادثاته، إذ وضع المسؤولين اللبنانيين أمام أخذ المبادرة لإنهاء الحرب على لبنان، على ما أضافت المصادر، أو أن تضع نفسها في وجه الـ «لا» الإسرائيلية التي تزيد من شروطها ومن توغّلها في البرّ اللبناني، كونها تعتقد أنّها حقّقت الإنجازات التي تريدها حتى الآن. وجوهر الموضوع بالنسبة لواشنطن هو: ماذا سيفعل حزب الله بسلاحه بعد وقف هذه الحرب. علماً بأنّ الموفد الأميركي لم يتحدّث عن أي وقف لإطلاق النار، إنّما جاء حاملاً آلية تنفيذية لتطبيق القرار 1701، يريدها برّي محلية، ويُسميها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «تفاهمات جديدة».
وفي واقع الحال، فإنّ برّي وميقاتي، على ما لفتت المصادر عينها، يسعيان الى تفاهمات تُبقي هامشاً واسعاً لحزب الله في لبنان وفي الحياة السياسية اللبنانية. في حين أنّ واشنطن و “تلّ أبيب» تريدان «تحقيق النصر من خلال تفكيك حزب الله ونزع سلاحه» ومنع تزويده بالأسلحة في المستقبل (بناء على القرار 1559)، وخلق منطقة عازلة وخالية من الاسلحة والمسلّحين في منطقة الليطاني وحتى أبعد الى نهر الأولي (وفقاً للألية التنفيذية للقرار 1701)، وإيجاد بالتالي «حلّ أبدي أو نهائي للصراع القائم عند الحدود»، على ما أعلن هوكشتاين.
وإذا كانت «إسرائيل» تعتقد أن وضعها العسكري اليوم يسمح لها، من وجهة نظرها، أن يُقرّ لها لبنان بحريّة العمل على الأراضي اللبنانية، وأن يُبقي أجواءه مفتوحة لها، فهي مخطئة، على ما تابعت المصادر، فشروطها تُواجه بشروط أخرى، تضمن للبنان على عكس ما تُطالب به، عدم التعرض لأمنه واستقلاله وسيادته.
من هنا، أكّدت المصادر أنّ زيارة هوكشتاين لن تؤدّي الى نتيجة. وهي ليست من أجل الإتفاق على الحلّ الديبلوماسي، بل من أجل أن تقول واشنطن إنّها تبذل جهودها لإنهاء الحرب في المنطقة، ليس أكثر من ذلك. وإصرارها على حلّ الأزمة الديبلوماسية قبل أسبوعين من الإنتخابات الرئاسية الأميركية ليس منطقياً… وحتى لو جرى الاتفاق على الحلّ الديبلوماسي فالوقت ليس كافياً لتطبيقه. ولهذا فإنّ التوتّر والعنف سيستمرّان وسيتضاعفان أكثر خلال الأيام المقبلة.