لا رئيسَ يومَ الخميس..

لا رئيسَ يومَ الخميس..

كتب مفيد سرحال: 

لم تكن الرئاسة الأولى في لبنان مذ كان الكيان صناعة بلدية خالصة بقدر ما هي تجلٍّ قيصري لمخرجات توليفة هجينة مستولدة من تقاطعات مصالح دولية ورعاة إقليميين يتبدلون، فتتبدل تلقائيا القوى المؤثرة وتخضع معها القوى المتأثرة لتقلبات الأحوال والأزمان .

والحال، لا متسع للتذكير بتلك الوقائع التي واكبت التأسيس والاستقلال حتى عصرنا الراهن كونها يوميات سياسية محفورة في الأذهان وعصية على النسيان كدروس للأسف لم يستطع اللبنانيون العبور فوقها ليأتي الاستحقاق محض لبناني .

وحدها الكرسي الخشبي مشغولة بإتقان في مشاغلنا كي تليق بالمقام والرئيس لبناني بالولادة والانتماء لكنه مزيج من الرضا والمقبولية الأجنبية والعربية، أما العملية الانتخابية الشكلانية في الغالب الأعم معلبة بعد تبني الاسم في بلد ديمقراطيته شوهاء جرى إسقاطها على جمهورية خنقتها الأعراف والتقاليد والميثاقية التسووية .

لا رئيس يوم الخميس لأن تقاطعات مصالح الخارج مع الداخل المتنابذ ضديًّا وحديًّا يحول دون توفر الـ86 صوتا وحتى الـ65 لأي طرف من الأطراف.

الأميركي وصي أساسي على البلد فالعصر عصره والقصر قصره عبر مفوضه السامي آموس ومنصته المحلية سفارة عوكر خاصة مع رواج و تفشي سردية تشي بأن الحرب الإسرائيلية على لبنان أفرزت وقائع تتيح لأميركا وحلفائها واهمين بتعديل قواعد اللعبة بالسياسة والذهاب إلى أقصى الأقصى في سقف الترشيحات ! علما أن المقاومة لم تُهزم وإسرائيل عجزت عن تحقيق نصر ناجز وبقيت المقاومة بهيكلها العسكري مرهوبة الجانب ناهيك عن أن وقف إطلاق النار شكل فسحة استراحة محارب للترميم وإعادة التشكيل للجسم البشري الضخم ووحداته وأجهزته، والذي رغم التضحيات الجسام كان ولازال بالمستوى الذي يعيق طموحات العدو الإسرائيلي بدليل حجم الغطرسة الانتقامية من الحجر والأرزاق في جنوب الليطاني كتعويض عن الهزائم في المواجهات أو التمدد الوقح في الأراضي السورية، ولنا في الخيام وأخواتها الدليل القاطع، وبالتالي بصورة أو بأخرى الجمهورية الإسلامية الإيرانية حاضرة الكلمة والتأثير .

التركي ومعه القطري على وقع المتغير السوري مد نفوذه أيضا في الإقليم تحت عنوان تكريس الدور بمواجهة الأميركي المهجوس مع الإسرائيلي بخلق الكيان الكردي شمال شرق سوريا يقابله ضغط تركي مواز في لبنان والأردن ومصر لقلب المعادلات بالإسلام السياسي وعنوانه “الإخوان المسلمون” بقدر يتيح لتركيا إلغاء مفاعيل تشليع السلطنة العثمانية وإعادة مد سلطانها مجددا بالصيغة الأردوغانية الحديثة، ولا شك نجحت تركيا أردوغان في أكثر من موقع كما اخفقت وتراجعت في أماكن أخرى غير أنها قادرة على المناورة ليس في بلاد العرب وحسب بل في حضن وحصن القيصر بوتين، حيث الجمهوريات الإسلامية الآسيوية وتضغط بأنبوب الغاز القطري المتاح تمريره بسلاسة عبر سوريا إلى أوروبا بعد وصول هيئة تحرير الشام إلى الحكم والذي كان عنوانا للحرب الكونية على نظام الرئيس بشار الأسد ، إضافة لأسباب أخرى تتعلق بالمدد المقاوماتي عبر سوريا إلى لبنان وفلسطين.

هذا الطموح التركي المتحفز الناشط يقابله الحضور السعودي الوازن كمرجعية عربية وإسلامية ومعه الإمارات العربية المتحدة والذي لا يرضى بحال من الأحوال اختزال المكانة أو إسقاطها أو تجاهلها أو تهميشها لصالح بقعة الزيت التركية- القطرية، حيث يبقى للسعودية وحلفائها الخليجيين الكلمة المسموعة وهيبة الحضور .

وبناء على الوقائع الآنفة الذكر لن تصطدم المملكة مع شيعة لبنان وخلفهم إيران في الملف الداخلي اللبناني بل ستتقاطع إيجابيا لا ضدِّيًّا.

هذه المحاور الحاكمة لمآلات الاستحقاق الرئاسي بعراقيلها واستعصاءاتها ستجعل من ناصية الاستحقاق ممسوكا بسيناريوهات عدة:

1_الإطاحة بالرئاسة في ضوء إعادة تشكيل المنطقة وفق منطوق برنارد لويس، أي تحويل الشرق الأوسط إلى مزق ممزقة أو بالحري تقسيم المقسم ومحو حدود سايكس بيكو بدفع من خطة إسرائيلية تباركها أميركا وتجعل من الدويلات الطائفية والمذهبية والقوميات تلوينة الخارطة الجديدة وعندها تتبخر الجمهورية اللبنانية إلى لبنانات، والبعض في سياق الضغط والتهويل ذهب للقول همسا في الكواليس: الدكتور سمير جعجع أو الكيانات وأبرزها الكيان المسيحي، أي التفكيك وإعادة التركيب، وهنا جاءت رمية الوزير وليد جنبلاط على اللوحة الرئاسية بترشيح العماد جوزيف عون لتصيب أكثر من هدف.

أما البعض الآخر فقد رأى بالتعطيل الرئاسي إطلاقا لعجلة الانتخابات النيابية المبكرة التي ستعيد تشكيل المجلس النيابي وفق أكثرية وأقلية تتيح التحكم بالموقع الرئاسي وتقطع دابر التدخل الخارجي الذي سيضطر للتعاطي مع الأمر الواقع المستجد الملزم للداخل أيضا .

2_تقاطع سعودي -أميركي يسهل وصول العماد جوزيف عون إلى سدة الرئاسة كاسم يرتاح له اللبنانيون على المستوى الشعبي ويطمئنون لأدائه وتحييده للمؤسسة العسكرية عن عنعنات ومتاهات السياسة المحلية بتوازن دقيق من دون فيتوات داخلية بامتدادات خارجية تعززت بموقف حزب الله وعبر عنه الحاج وفيق صفا صراحة، يقابله ميل تركي -قطري -برتقالي لصالح اللواء البيسري الذي أثبت أيضا أنه رجل مؤسساتي نسج بعقل منفتح علاقات طيبة مع الداخل والخارج بما يحمل من تعقيدات ومصالح .

3_تمسك الثنائي الوطني (أمل وحزب الله) ومعهم الحلفاء بالوزير سليمان فرنجية من باب الصدقية التحالفية مشفوعة بمناقب فرنجية وأصالته التي يحترمها الخصم والحليف وهذا الترشيح عمليا وبالنظر لتقديم فرنجية المصلحة الوطنية على الذات الرئاسية قد يشرع الباب أمام تسوية مقبولة من الجميع.

4_ تقدم العميد جورج خوري على ما عداه من المرشحين متسلحا بالدعم والتأييد الفاتيكاني الكنسي وضآلة الفيتوات المحلية والرضى الضمني غير المعلن من غالبية القوى السياسية اللبنانية بتفرعاتها الخارجية حيث إن الدفع لترشيحه أساسه العملي خبرته العميقة بالتركيبة اللبنانية مستفيدا من تجربته في مديرية المخابرات في الجيش وشخصيته تشبه إلى حد كبير الرئيس إلياس سركيس بثوب عسكري لجهة العقل المؤسساتي العامل بصمت وحكمة.

5_الخروج من عباءة العسكر ونظرية كل عسكري ماروني مشروع رئيس إلى شخصية قانونية مؤسساتية يجسدها النائب إبراهيم كنعان الخبير في كواليس الجمهورية لكنه ليس خافيا أنه شخصية مستفزة للوزير باسيل والتيار الوطني الحر صاحب الرأي بالشخصية المسيحية التي ستتنكب مهام الرئاسة.

إن خيارا حاسما من السيناريوهات الخمسة الآنفة الذكر ستحدده العوامل المحيطة بكل ترشيح ترجحه حتما اهتزازات الإقليم الملتهب والمفتوح على مزيد من الاحتدام والتعقيد في لحظة سياسية مفصلية يعاد فيها تشكيل العالم والمنطقة العربية على وجه الخصوص فالبعض عندنا ينتظر متغيرات وتطورات وأوهام الخلل في التوازنات المحلية ناهيك عن تسلم ترامب وإدارته مقاليد الحكم في أميركا وعدم استعجالها لليوم التاسع والتسعة في مفهومنا صفرية بقوامها ومقامها ورغم ذلك يصر مهندس التسويات وراعي المؤسسة الأم دولة الرئيس نبيه بري على إنجاز الاستحقاق الرئاسي بحنكة العارف بالخبايا والنوايا لإنقاذ جمهورية تتجمهر حولها الأزمات والمطامع والمطامح.

Exit mobile version