لا خيرَ في دنيا كسَرت قلبَ الحسين
كتب الشيخ الدكتور اسامة شعبان:
1- هـٰذه الدّنيا خدّاعة، لوّاعة، خائنة، ملعونة… قاتلةُ خاطبيها، وطاردة نازليها، ومفجعة طلّابها، لا تعرف الصّفو، ولا تصدق العهد، مفرّقة الأحباب… بل هي الفجر الكاذب.
والموت فضح الدّنيا، وآذَن بالرّحيل، ونغّص الحياة، وقطع الرّقاب، وأقفر القصور، وملأ القبور.
والملَك يُحصي الأنفاس، ويسجّل الكلمات والحركات، والكتب مشهودة، والميزان مُنتظَر، والحساب على رؤوس الأشهاد.
2- يقف الزّائر الولهان عند الإمام العطشان المظلوم قتيل العبَرات المخضَّب بالدّماء صاحب الرّأس المرفوع.. يعجب لِكمّ الحبّ الّذي تركه خلفه إلى يومنا هـٰذا، وإلى يوم القيامة بإذن الله… لقد غيّرتَ الدّنيا يا ابن بنت رسول الله.. وقوّيت عزائمنا، وكلُّ كثيرٍ قليلٌ أمام ما قدّمتَ لدين الله وعنفوان الكرامة الإسلاميّة والمروءة الإنسانيّة.
3- يا هـٰذا الفارس الّذي ما كبا عن فرسه، يا أيُّها الفادي لدين الله، يا ساقي العُطاشى، أيُّهـٰذا الحاملُ للواء الطّفّ، يوم الكرب والبلاء في كربلاء.. يا حامي الأعراض رغم تقطيع اليدين… يا قصّة البطولة الّتي ما تزال تُروى للأجيال.. يا أبا الفضل العبّاس، يا ابن الإمام عليّ.. يا أخا الحسين الّذي ما خنع ولا ركع.
4- ما هـٰذا الأُنس الّذي يلفّ المكان! يا لهـٰذه الهيبة التّي تأسر الزّائرين! كم تتسارع النّبضات عند زيارتَيكما وبقيّة آل الحسين وأصحابه! يضجّ الحدث بالتّهيام، يحمل الحنين إلى التّربة الحمراء المجبولة بدماء آل بيت النّبوّة، ويعلن الفؤاد الولاء لمنهج النّبوّة: يا ليتني كنتُ معك مدافعًا ومناصرًا يا قمر بني هاشم!
5- الدّاخل على المقامين الكربلائيّين الكبيرين: الحسين وأبي الفضل… لا يملك عينيه، يلهج قلبُه قبل لسانه بالدّعاء، لا يملّ تكرار السّلام، يعيد الدّخول مرارًا، تتملّى جوارحُه السّعدَ بلقاء الحبيبين… يجدّد العهد، يؤكّد الوعد… أن يبقى حُسينيًّا في الصّميم ما دام فيه نبض وحركة.
6- قضيّة الحسين عليه السّلام واضحة لا يشكّ فيها بصير، معسكران: معسكر أهل الحقّ، ومعسكر أهل الظّلم، وبغى المعسكر الثّاني على المعسكر الأوّل، ولم يراعِ إسلامًا ولا تقًى ولا نسبًا ولا ذمامًا ولا مروءةً ولا إنسانيّة.. وتحكّم المُلْك العَضُوض الّذي يقتل أيّ إنسان ويدوس على الكرامات، لأجل شهوة السّلطة والتّمسّك بالكرسيّ؛ هـٰذه هي القضيّة سافرة كعين الشّمس.
7- ماذا تأمل من الدّنيا الّتي أدارت ظهرَها للحسين؟ خاب وخسر كلّ من خذل وتخلّى عن الحسين.. لُعن كلُّ من قتل أو آذى أو شارك في المؤامرة على الحسين وآله وأصحابه.. ما ذهب دمُ الحسين هدرًا، ما ماتت قضيّة الحسين، ما انتصر السّيف على الدّم.. الظّلم مخذول وإن اجتمعت له قوّة في زمن أغبر.. والحقّ منصور وإن توزّع أتباعُه في ظرف مقدَّر.. القاتل ميْتٌ أكله الدّود، ولاكته ألسن التّاريخ ولفظته، ولُعن في العالمين.. والمقتول حيّ عند ربّه، لا يبلى جسدُه، تغلغل حبّه في وجدان الإنسانيّة، وأسلم بسببه الكثير، ونصر قضيّته كلُّ منصف عبر الزّمان.
8- كلّما فتنتك الدّنيا وتزيّنت لك، كلّما تجنّد الباطل ووقف في وجهك، كلّما ازدحمت طُرُق جهنّم بالشّهوات، كلّما حاصرتك المغريات، كلّما صعب امتحان الحياة، كلّما تكالب العدوّ على قصعة الأمّة، كلّما شعرت أنّك غريب في هـٰذه الدّنيا، كلّما ضاقت عليك الأرضُ بما رحبت وضاقت عليك نفْسُك… لا تمِلْ إلى هـٰذه الدّنيا وظُلّامها.. لا تتقاعسْ.. لا تتنازلْ.. لا تساومْ.. قاومْ واحتسِبْ وتذكّرْ دائمًا أنّه لا خيرَ في دُنيا كسَرت قلبَ الحسين عليه السّلام… وردّدْ بحالك وقالك وكُلّك: “واشوقاه إلى الحسين”.. إلى أن ينقطع النَّفَس ويأتي اليقين!