“البلد يتّجه نحو الأسوأ إذا استمرّت الأمور على هذا المنوال من المراوحة والتناحر”. من دون مقدّمات تصدر هذه الجملة من لسان شخصيّة تنشط في الحقل العام، بعد تجربة طويلة لها في الوظيفة وإدارة ملفات خطيرة وحسّاسة في أكثر من حقل؛ وتتّجه الأنظار إليها عند كلّ زيارة تقوم بها، أو مشاركة، أو إطلالة إعلامية. ويمتاز صاحب هذه الخلاصة، الذي لا يسرّه بالطبع المشهد القائم، بعمق اتصالاته وانفتاحه على أكثر الأطراف في الداخل، إلى جانب علاقات ممتازة تربطه بالخارج، يعمل على استثمارها لمصلحة لبنان، حين يتمكّن من ذلك. وقد توصّلت هذه الشخصية إلى جملة من الخلاصات، تتوقّف عندها، من أبواب المعلومات والقراءة السياسية والتحليل، فتقدّم صورة تشاؤميّة على أكثر من مستوى:
– لا يبدو أنّه في إمكان الكتل النيابية انتخاب رئيس للجمهورية بفعل هذه الموجة من الانقسامات العمودية بين الكتل النيابية؛ وإنّ حصيلة لقاء المجموعة الخماسيّة لم تكن على مستوى التوقّعات المنشودة، وأعضاء هذه المجموعة لا يعملون عند اللبنانيين، إذ للدول مصالح وأجندات تعمل على تحقيقها واستثمارها في أوطانها أوّلاً. ولم يعد في إمكان الفرنسيين العمل بمبادرتهم، ولو لم يتخلّوا عنها، لأنّهم ليسوا وحدهم في مضمار انتخابات رئاسة الجمهورية. ومَن قال إنّ السعودية، التي لا تعارض انتخاب رئيس للجمهورية، ستُقدم على تزكية مرشّح على حساب آخر؟ مع الإشارة إلى أنّ أوّل ما تعمل على تطبيقه بعد تفاهمها مع إيران هو إرساء تسوية حقيقة على أرض اليمن، حيث لن تتبلور بصورتها النهائية قبل سنة ونصف السنة، بالرغم من استعادة العلاقات الديبلوماسيّة بين الرياض وطهران، وسَيْر تفاهمهما بخطوات ثابتة، لكنّهما لا يستطيعان تحقيق ما تريده كلّ دولة في الإقليم بـ”كبسة زرّ”؛ مع الإشارة إلى أن الحوثيين غير راضين مئة في المئة عمّا جرى التوصل إليه. وربطاً بملف لبنان، لن تخرج المملكة – على سبيل المثال – لتقول لباريس إنّها ستؤيّد مرشّحها وتعمل على إقناع الآخرين به.
- ييقى “حزب الله” إذن اللاعب الرئيسيّ في انتخابات رئاسة الجمهورية، بغضّ النّظر عن الاسم الذي سيصل إلى سدّة الرئاسة الأولى. وإذا استمرّ هذا الستاتيكو القائم، فقد يصل مجلس النواب إلى نهاية ولايته من دون انتخاب رئيس للبلاد؛ ولا شيء يمنع دخول البلد حينها في الفوضى الكاملة، التي بدأ االلبنانيون يتحسّسون فصولها في أكثر من منطقة. وإذا كان “حزب الله” القوة العسكرية الكبرى في البلد، فهو لا يريد الدخول في أيّ مواجهة عسكرية مع أيّ جهة، لأنه يرفض الاقتتال بين اللبنانيين، وسيكون متضرّراً في حال استعادة مشاهد الحرب الأهلية. وإذا كانت هناك جهات أخرى مناوئة للحزب فهي قادرة على افتعال مشكلة وليست قادرة على خوض معارك حربيّة.
- بالنسبة إلى جبهة الجنوب، فالاتصالات مستمرّة بغية طيّ صفحة بلدة الغجر على أن ترجع إلى ما كانت عليه عام 2006. لكن المقاومة لن تسكت وتتفرّج على الاعتداءات الإسرائيلية. وتقوم الأمم المتحدة وجهات ديبلوماسية بمحاولة عدم الوصول إلى حرب في الجنوب. ولا تبدأ حربٌ إلا وتنتهي بالحوار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
- ثمّة خشيّة من تدهور الأوضاع الاجتماعية عند نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إذا لم يتمكّن نوّابه الأربعة من إدارة العمليّة النقديّة في البلد، حيث يتردّدون، ويخشون المهمّة التي تنتظرهم، خصوصاً نائب الحاكم وسيم منصوري. فهم لا يملكون المفاتيح الموجودة بحوزة سلامة في البنك المركزي الذي يُديره منذ أكثر من ثلاثين عاماً.
وإذا كانت الإرادة متوفّرة عند هؤلاء النواب فهي لا تكفي لوحدها. ولذلك يريدون قبل الإقدام على أيّ خطوة الحصولَ على تغطية قانونية من الحكومة من نوع الاستمرار بمنصّة صيرفة أو غيرها من التطبيقات من دون معرفة كيف ستكون حال الموظفين في الإدارات والوزارات، وأكثرها لا يعمل في حال تقلّصت رواتب الموظفين في القطاع العام أكثر. وستنعكس كلّ هذه الأمور في حال عدم ضبطها على الأجهزة الأمنية التي قد يلجأ قادتها إلى الطلب منها البقاء في ثكناتها على غرار ما حصل في منتصف السبعينيّات مع تصاعد نيران الحرب. وثمّة خشية من بعض المظاهر غير المشجّعة وغير المطمئنة كما يحصل في أكثر من منطقة، وآخر فصولها كان في الشياح.
- لا مشكلة عند أكثر من دولة في أن تدبّ الفوضى في لبنان، لأنّ الهمّ الأوّل عندها هو الحفاظ على أمن إسرائيل، وهذا ما تشدّد عليه أميركا وكلّ الدول الغربية. ولا صحّة للقول إن الدول الكبرى لا همّ لديها إلا تأمين الاستقرار في لبنان، بدليل أنها لم تساعد لبنان في ملف النازحين السوريين.
- وإن كان لبنان يعوّل على استخراج الموادّ النفطيّة بوساطة شركة توتال الفرنسيّة، بحسب البرنامج الموضوع، فقد لا تكون الآمال – بحسب معلومات – على مستوى التوقّعات في هذا االقطاع، من دون أن يعني هذا الكلام عدم وجود موادّ نفطيّة وغازية في المياه البحريّة في الجنوب.
في الأثناء، سرت معلومات في الآونة الأخيرة بأن مصير البلوك 9 في الجنوب سيكون على غرار البلوك 4 في الشمال. وعندها لا يمكن لـ”حزب الله” أن يفعل شيئاً، وستستمرّ إسرائيل في استخراج الغاز من كاريش وغيره.