كتب يحيى دبوق في “الأخبار”:
تلك هي حصيلة الجولة الأخيرة من العملية التفاوضية الجديدة التي بدأت في العاصمة القطرية الدوحة، والتي ناقشت تعديلات على بنود الاقتراح الأميركي لصفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وفقاً لما كانت قد عرضتها الإدارة الأميركية قبل أشهر. والنتيجة التي توصل إليها المتفاوضون، هي تسليط مزيد من الضغوط على حركة حماس للقبول بما هو مطروح على الطاولة، مع التهديد بأن الجولة الحالية هي الفرصة الأخيرة، وأن خطر الانهيار يحدق بالمسار التفاوضي برمّته.وكان قد واكب انطلاق الجولة تلك، تفاؤل هائل من جانب الإدارة الأميركية، التي أوحت وكأن «الاتفاق بات في الجيب»، فيما الأمور عملياً لا تزال على حالها، وتحديداً لناحية الإصرار الإسرائيلي على الإبقاء على السيطرة العسكرية كاملة تقريباً على قطاع غزة، عبر البقاء في ممرّ «نتساريم» في وسط القطاع بما يتيح للاحتلال منع عودة الفلسطينيين إلى الشمال، ومحور «فيلادلفيا» في الحدّ الجنوبي مع الجانب المصري. وإذا كان الحال كذلك، فما هي التعديلات التي يتحدث عنها الوسطاء؟ في الواقع، لا تعديلات تُذكر، إلّا في ما يتعلّق بـ«الجزرة» المعروضة على حركة «حماس»، عبر تليين الشروط الأخرى، بما يشمل زيادة عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم في المرحلة الأولى من الصفقة وتوسيع دائرة فئاتهم، فيما «العصا»، المتمثلة في العمليات العسكرية والتوغلات والنيران من بعد، لا تزال حيّة.
ومن هنا، يُطرح السؤال حول سبب التوجّه إلى جولة جديدة ثانية في العاصمة المصرية القاهرة، بعدما رفضت «حماس»، وعن حق، ما عُرض عليها. لكن هل يعني ما تقدّم أن المفاوضات تجمدت، أو انتهت عند هذه المرحلة؟ تصعب الإجابة بنعم، إذ يوجد بالفعل ما يدفع إلى التوصل إلى اتفاق؛ كما أن هكذا «مناورة تفاوضية» هي جزء لا يتجزأ من الجهود الأميركية – الإسرائيلية لمعاينة موقف «حماس» ومدى تمسكها بثوابتها، بعدما راهنت واشنطن وتل أبيب على أن الضغط العسكري والعمليات المتعددة الاتجاهات والمستويات، الأمنية والعسكرية، فضلاً عن قتل المدنيين والتدمير والتجويع، سيتسبّب كله في دفع الحركة إلى نوع من الاستسلام.
لم يسجَّل أي تقدم في جولة الدوحة، التي صاحبها هذه المرة حضور أميركي عالي المستوى
على أي حال، الكرة الآن في ملعب الطرف الآخر، بعد أن رفضت «حماس» الاستسلام؛ فإن كانت تل أبيب وواشنطن معنيتَين بالتوصل إلى تسويات، فستبادران إلى جولة جديدة من العملية التفاوضية، مع تخفيض سقف الشروط وتليينها إلى الحدّ الذي يمكّن الحركة من قبول الاتفاق، وتحديداً عبر التسليم بمبدأ انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من محورَي «نتساريم» و«فيلادلفيا». وفي حال إقرار هذا المبدأ، يمكن العودة إلى العمل الجدي، هذه المرّة، على إيجاد بدائل، كانت تُطرح على طاولة المفاوضات بلا تفعيل، منذ أن بدأت العملية التفاوضية بشكلها وشروطها الإسرائيلية التي بدّلتها تل أبيب تباعاً، إلى أن استقرت على مطلب السيطرة المباشرة على المحورَين المذكورَين.
بالنتيجة، لم يسجَّل أي تقدم في جولة الدوحة، التي صاحبها هذه المرة حضور أميركي عالي المستوى، تُوجّ بزيارة لوزير الخارجية، أنتوني بلينكن، إلى المنطقة لإضفاء نوع من الجدية والتفاؤل على الجهود الحالية، وتكثيف الضغوط على «حماس». ويعني هذا أن جولة القاهرة، والتي يظلّلها غياب اتفاقات عامة على مبادئ الصفقة، هي في حدّ أدنى موضع تساؤل. لكن الإعلان عن فشل المفاوضات يستبطن تداعيات سلبية على المصلحتَين الأميركية والإسرائيلية، وتحديداً في ما يتعلق باستحقاقات إقليمية تنتظر نتيجة العملية التفاوضية الحالية؛ وبالتالي، فإن إعلان الفشل ليس محسوماً أيضاً.
لكن هل يمكن لواشنطن وتل أبيب مواصلة إمساك العصا من الوسط، عبر الاستمرار في المفاوضات لمنع التصعيد الإقليمي، وفي الوقت نفسه الاستمرار في الحرب على غزة وحرب الاستنزاف في ساحات المساندة في الإقليم؟ الأكيد أنه لا يمكن الحفاظ على المسارَين معاً لمدة معتدّ بها نسبياً، وأن على الجانبين أن يقررا أيّاً منهما سيسلكان، ليبقى، بذلك، مصير المنطقة رهن الأيام المقبلة.