كتب عماد مرمل في جريدة “الجمهورية”:
على الرغم من حراجة الوضع الداخلي في ظلّ استمرار الشغور الرئاسي واختلال الانتظام المؤسساتي، وعلى الرغم من خطورة الوضع الميداني عند الجبهة الجنوبية التي تبقى مرشحة لكل الاحتمالات.. تتواصل لعبة التشاطر وتسجيل النقاط بين القوى السياسية، وكأنّ البلد بألف خير ويتحمّل مثل هذه «الخفة» التي لا تأخذ في الحسبان التهديدات الداهمة.
مع انكفاء لجنة السفراء الخماسية عن الخط الأمامي للاستحقاق الرئاسي، عجّت الساحة بشتى أنواع المبادرات المحلية الصنع، في ما يشبه «مزاداً علنياً» لانتخاب رئيس الجمهورية، انما من دون أن تنجح أي منها حتى الآن في تحقيق النتيجة المتوخاة.
وكما صار معروفاً، فإنّ مبادرة المعارضة استندت الى إقتراحين، الأول ينصّ على أن «يلتقي النواب في المجلس النيابي ويقومون بالتشاور في ما بينهم، دون دعوة رسمية أو مأسسة او إطار محدّد، حرصاً على احترام القواعد المتعلقة بانتخاب رئيس للجمهورية المنصوص عنها في الدستور اللبناني، على الّا تتعدّى مدة التشاور 48 ساعة، يذهب من بعدها النواب، وبغض النظر عن نتائج المشاورات، الى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية، وذلك حتّى انتخاب رئيس للجمهورية كما ينص الدستور، دون إقفال محضر الجلسة، ويلتزم جميع الأفرقاء بحضور الدورات وتأمين النصاب».
اما الاقتراح الثاني، فيلحظ أن «يدعو رئيس مجلس النواب الى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، ويترأسها وفقًا لصلاحياته الدستورية، فإذا لم يتمّ الانتخاب خلال الدورة الأولى، تبقى الجلسة مفتوحة، ويقوم النواب والكتل بالتشاور خارج القاعة لمدة أقصاها 48 ساعة، على ان يعودوا الى القاعة العامة للاقتراع، في دورات متتالية بمعدل 4 دورات يومياً، دون انقطاع ودون إقفال محضر الجلسة، وذلك الى حين انتخاب رئيس للجمهورية، ويلتزم جميع الأفرقاء بحضور الدورات وتأمين النصاب».
ومن الواضح أنّ المبادرة المقترحة هي تكتيكية بالدرجة الأولى لرفع العتب والحرج، بمعنى انّ هدفها الأساسي الانتقال من الدفاع الى الهجوم، وتغيير الصورة التي ظهرت عليها المعارضة عموماً و»القوات اللبنانية» خصوصاً، وهي الاكتفاء برفض التشاور وفق صيغة بري من دون تقديم بديل، فأتى الطرح المعلن في سياق محاولة لتخفيف الضغط عن رافضي مبادرة بري، وتحويل مجراه في اتجاه الطرف الآخر.
اللافت، وفق مصادر نيابية وسطية، انّ المعارضة أقرّت مبدأ التشاور، ولكنها حاولت أن تُفصّل قماشته على قياسها، مستغربة إصرارها على مواصلة المماحكة حول شكليات هي ثانوية بالمقارنة مع الجوهر المتمثل في انتخاب الرئيس.
وتعتبر المصادر، انّه ما دامت المعارضة قد سلّمت بفكرة التشاور فلم يعد هناك مبرّر لتستمر في «اللت والعجن» في شأن جزئيات تتصل بآلية هذا التشاور، لافتةً إلى أنّه من البديهي والطبيعي ان يديره الرئيس نبيه بري انطلاقاً من موقعه، في حين انّ طرح المعارضة تعمّد تهميش دوره على هذا الصعيد، ما يعني أنّ أصحاب المبادرة كانوا السبّاقين الى تعطيلها بأنفسهم وتوفير عناء عرقلتها على الآخرين.
وتشير المصادر النيابية المتموضعة خارج الاصطفافات الحادة، الى انّه اذا كانت نية المعارضة صافية وسليمة فعليها ان تتعاون وتتفاهم مع بري لإنجاح مسعاها، وليس تجاوزه وتجاهله كما فعلت من خلال اقتراح تشاور «لقيط»، لا يستند الى دعوة رسمية او إدارة من قبل رئاسة المجلس.
وتتوجّه المصادر إلى المعارضة بالقول: إذا كنتم تستعجلون انتخاب الرئيس فليس أمامكم سوى المرور في عين التينة لاختصار الوقت والمسافة، وعليكم ان تلتفتوا الى انّ بري في موقع قوي ويستطيع الانتظار، إذ هو رئيس السلطة التشريعية المكتمل المواصفات، وسط فراغ مركز رئاسة الجمهورية ووجود حكومة مستقيلة يتولّى رئيسها تصريف الأعمال، كذلك معه مصرف لبنان ووزارة المال، ومرشحه إلى الرئاسة متماسك، وحليفه لديه أكثر من مئة الف مقاتل وصاروخ، أما انتم خصوصاً المسيحيون منكم، فإنكم الأكثر تضرّراً من شغور المركز الماروني الأول في الدولة، ومن مصلحتكم انتخاب الرئيس اليوم قبل الغد لترميم التوازن المتفسخ، ولذلك تقتضي الحكمة بأن تكونوا مرنين إزاء شكل التشاور كي تحصلوا على الأساس، وهو عقد جلسات نيابية متلاحقة الى حين ولادة الرئيس، «والّا خليكم هيك وستكونون انتم الخاسرون..».
وتضيف المصادر: المعارضة بحاجة إلى بري، وليس العكس، حتى يدعو إلى جلسات مفتوحة ويؤمّن النصاب لها، وبالتالي فإنّ عدم الاعتراف بأحقيته في ترؤس التشاور وإدارته هو عناد لا جدوى منه ونكد في غير محله.
وتؤكّد المصادر أنّ تصوّر المعارضة يفتقر الى مقومات النجاح، موضحة انّ بري لن يتخلّى عن ثابتة ترؤس التشاور قبل الدعوة إلى جلسات الانتخاب.