كيف يعالج اللبنانيون جراح الحرب؟
شهد لبنان على مدار عقود مضت سلسلة من الصراعات والحروب الأهلية التي خلفت وراءها آثاراً مدمرة على كافة المستويات. فبالإضافة إلى الدمار المادي الهائل، تركت هذه الحروب جراحاً نفسية عميقة في نفوس اللبنانيين، والتي لا تزال تترك أثرها حتى يومنا هذا.
لقد شكلت الحرب اللبنانية تجربة مؤلمة للأفراد والعائلات والمجتمع ككلّ، حيث تعرضوا لمختلف أشكال العنف والترهيب والتشرد. وقد أدى هذا إلى مجموعة واسعة من الاضطرابات النفسية، بما في ذلك الاكتئاب، القلق، اضطراب ما بعد الصدمة، والاضطرابات النفسية الجسدية. وها نحن اليوم نعيش قلقاً وخوفاً من نشوب حربٍ جديدة تلقي بظلالها على اللبنانيين.
لذا، من الضروري فهم الآثار النفسية المدمرة للحرب على الأفراد، وكيفية تعامل المجتمع مع هذه التحديات. لذلك، سنقوم في هذا المقال باستكشاف الآليات النفسية التي يجب اتباعها للتكيف مع الصدمة، ودور العلاج النفسي في عملية التعافي.
إضطرابات نفسية متعددة
في حديث خاص لـ “الديار”، كشفت المعالجة النفسية العيادية في عيادات “براين ستايشن” نور عيد، أن “اضطرابات نفسية متعددة تنتشر بشكل كبير في ظل الظروف الحالية. من أبرز هذه الاضطرابات القلق المزمن، حيث يعيش الشخص في حالة دائمة من التوتر واليقظة، متوقعاً حدوث أمر سيىء. قد يشمل هذا القلق الخوف من الموت، سواء كان موته الشخصي أو موت أحبائه. وقد يؤدي هذا القلق إلى اضطرابات في النوم، وصعوبة التركيز، وتقلبات مزاجية”.
اضافت : “وأيضاً، اضطراب ما بعد الصدمة، فيعاني الكثير من الأشخاص من هذا الاضطراب نتيجة الأحداث الصعبة التي مرّوا بها. ويتجلى اضطراب ما بعد الصدمة في مجموعة من الأعراض، منها الكوابيس المتكررة، تجنب المواقف والأشخاص المرتبطين بالحدث المؤلم”.
“هذا ولا يقتصر تأثير تداعيات الحرب على فئة معينة من الأشخاص، بل يشمل الجميع”، تؤكد عيد ، ومع ذلك، “يختلف تأثير الحرب باختلاف الفئات العمرية. يعاني الأطفال من آثار الحرب بشكل كبير، وقد يظهر ذلك في أعراض مختلفة مثل التبول اللاإرادي نتيجة الخوف والتوتر، والكوابيس المتكررة تعكس صعوبة التعامل مع الأحداث المؤلمة، وكثرة الأسئلة دلالة على محاولة فهم ما يحدث، وعدم الشعور بالأمان نتيجة البيئة غير المستقرة”.
وتابعت : “يعيش الشباب فترة انتقالية حساسة، وتؤثر فيهم الحرب بشكل كبير. فبالإضافة إلى الخوف والقلق، قد يعانون من تغير نمط الحياة بسبب الحاجة إلى التكيف مع الظروف الجديدة، وصعوبة في التركيز والدراسة نتيجة للضغوط النفسية، وصعوبة في بناء العلاقات الاجتماعية بسبب الانشغال بالوضع الحالي”.
وشددت على “ان الأهل يؤدون دوراً حاسماً في دعم أطفالهم وشبابهم خلال هذه الفترة الصعبة. إذ، يمكنهم ذلك من خلال الانفتاح على الحوار، مناقشة مخاوف الأطفال وأجوبتهم على أسئلتهم بصدق وشفافية، وتوفير بيئة آمنة، وخلق جو من الاستقرار والحب في المنزل، وطلب المساعدة المهنية في حال لاحظوا ظهور أعراض نفسية شديدة على أطفالهم”. واكدت “إن تأثير الحرب في الصحة النفسية للأفراد، وخاصة الأطفال والشباب، أمر بالغ الأهمية ويستدعي تضافر الجهود لتقديم الدعم النفسي اللازم”.
إلى ذلك، أكدت المعالجة النفسية “أن استراتيجيات التأقلم بين الأجيال قد تطوّرت بشكل ملحوظ، إذ بات اللجوء إلى العلاج النفسي والاستشارات النفسية أكثر شيوعاً واقبالاً في الأجيال الجديدة، وذلك بفضل زيادة الوعي بأهمية الصحة النفسية”.
ماذا عن الوقاية من الاضطرابات النفسية؟
في ما يتعلّق بالمرونة النفسية، أكدت عيد على أهميتها “في مواجهة الصعوبات والتحديات، وخاصة في ظل الظروف الصعبة”. وأشارت إلى “أن بناء علاقات إيجابية مع الآخرين يساهم بشكل كبير في تعزيز المرونة النفسية. فمن خلال تبادل الدعم والمحبة مع الأشخاص الإيجابيين، يمكننا تجاوز الصعاب بسهولة أكبر”.
كما نصحت ” بأهمية البوح بمشاعرنا وأفكارنا، سواء كانت إيجابية أو سلبية. فالتعبير عن المشاعر يساعد على تخفيف الضغط النفسي ويفتح المجال لإيجاد حلول مناسبة”.
وبالنسبة للوقاية من الاضطرابات النفسية المرتبطة بالحروب، أكدت “أن الحروب تترك آثاراً عميقة على الصحة النفسية للأفراد. ولذلك، فإن التواصل مع الآخرين والبوح بما يقلقنا هو خطوة مهمة في الحفاظ على صحتنا النفسية. وفي بعض الحالات، قد يكون اللجوء إلى العلاج النفسي ضرورياً للتغلب على الصعوبات النفسية التي نمر بها”.
نصائح ضرورية
في هذا السياق، قدمت المعالجة النفسية عدة نصائح هامة للتعامل مع التحديات النفسية التي تفرضها الحروب:
– أولاً: أهمية تحضير الأشخاص مسبقا لما قد يواجهونه أثناء الحروب، لتقليل الشعور بالصدمة المفاجئة.
– ثانيًا: تجنب الإفراط في متابعة الأخبار، خاصة تلك التي تثير الهلع والخوف، مع التركيز على مصادر الأخبار الموثوق بها والمعتدلة.
– ثالثًا: ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق والرياضة، حيث تساهم هذه التقنيات في تخفيف التوتر والقلق.
– رابعا: أهمية تقبل المشاعر السلبية التي قد تنشأ نتيجة للأحداث الصعبة، فهذه المشاعر طبيعية في مثل هذه الظروف.
– خامسا: ضرورة الخروج وممارسة الأنشطة التي تساعد على صرف الانتباه وتغيير المزاج.
– سادسا: اللجوء إلى العلاج النفسي كأحد الوسائل الفعالة للتغلب على الصدمات النفسية وتطوير آليات التأقلم الصحية.
شانتال عاصي- الديار