قوة لبنان.. و بنادق الانتحار!
كتبت رندلى جبور في موقع “الجريدة”:
سقطت نظرية “قوة لبنان في ضعفه”، وهي نظرية معيبة أصلاً، أرادها لنا ـ عن خبث ـ من اعتبرنا “فائضاً جغرافياً” أو “خطأ تاريخياً”، بينما جغرافيتنا محط أطماع لما تحويه من موارد وموقع، وتاريخنا عمرٌ من حضارة مغروسة منذ آلاف السنين في هذا المشرق.
اليوم بات مسلَّماً بأن قوة لبنان في قوته، وقوته تلك مستمدة بشكل أساس من قوة المقاومة.
وإذا كان البعض يُسخِّف قوة المقاومة من باب ولائه لمن يريدنا ضعفاء، فإننا نفنّد تلك القوة بالعناوين التالية:
أولاً، القوة البشرية. بمعنى أن المقاومة في لبنان ليست مجموعة عسكر تنفذ مهمات وحسب، بل هي شعب صاحب عقيدة وإيمان، وبيئة حاضنة لقضية لبنانية بحتة، ولو استفادت من دعم خارجي. فهذا الدعم ليس لتنفيذ مشروع غريب، كما جرت العادة عند أفرقاء آخرين، بل لإرساء القوة اللبنانية في مواجهة الاعتداءات والأطماع ومشاريع التوسع الاسرائيلية، وفي محاربة الوجه الآخر للصهيونية، أي الإرهاب.
المقاومة هي شعب أولاً، عانى ما عاناه ولكنه صبر وأكمل، وهي مواطنون مولودون ويتعلّمون ويعملون في لبنان، وهم أعلنوا في صناديق الاقتراع أنهم يؤيدون “حزب الله” عند غياب دولة تمنحهم الحماية والحقوق، ودفعوا دماً ودماراً على هذه الارض كثمن باهظ للتحرير وللوقوف في وجه المخططات الغريبة والغربية. ومن له في لبنان أصوات بقدر تلك التي يملكها الحزب فليرجمه بكلمة.
ثانياً، القوة العسكرية التي تجلّت بالأسلحة الدقيقة والاستراتيجية، والمستور منها أكثر من المعلَن، من صواريخ ومسيّرات وآليات ومقاتلين أشدّاء صنعوا بطولات كأنها من خارج هذا الزمان وهذا المكان، وقيادات تفكر وتخطط وتضع التكتيكات والاستراتيجيات وتكتب الانتصارات، وتموز ليس ببعيد، وهذه كلها يرتعب منها الاسرائيليون وفق ما يعبّر إعلامهم.
ثالثاً، القوة الأمنية والاستخبارية، وما “هدهد” و”عماد” إلا انعكاساً واقعياً لبعض هذه القوة التي كشفت العدو من الجليل إلى عمق تل أبيب وصولاً حتى الى مقر بنيامين نتنياهو، مروراً بكل القواعد الحيوية والعقد الاستراتيجية. ففي السماء مسيّرات تَرى وترسل الإحداثيات، وفي الأرض والجبال أنفاقٌ لا تُرى ولا تُطال، والاستهدافات وطبيعتها ونوعيتها وكميتها شاهدة على هذه القوة التي تشكّل ردعاً، لا للفعل وحسب بل لمجرد التفكير به حتى.
رابعاً، القوة الاعلامية التي جعلت “حزب الله” في مصاف أكبر اللاعبين في الحرب النفسية من دون أن يخسر المصداقية، وهو يجعل “إسرائيل” الآن واقفة على “إجر ونص” في حالة انتظار قاتلة، عدا عن تواصل المقاومة مع قاعدتها وجمهورها، وأيضا مع الجمهور والإعلام الآخر، بحيث تصدر البيانات والمواد والانتاجات المرئية والمسموعة والمكتوبة، بالمئات، ولا تتأخر في تأكيد خبر أو نفيه، وهي بذلك باتت مبادرة في نقل الحدث من منظارها هي، منظار الحقيقة، ما كسر القصة الصهيونية، وأرسى توازناً لم يسبق له مثيل، وصار صانعاً قوياً لرأي عام محلي، ولكن أيضاً إقليمي ودولي لا تأخذه الأكاذيب على حين غرّة، ولا تغرقه الخرافات بسهولة، كما كان دارجاً سابقاً.
خامساً، القوة السياسية والدبلوماسية النابعة من الصمود وقوة الموقف، والتي أسقطت صفقة القرن، وأوقفت التطبيع في منتصف طريقه، وفرضت نفسها مفاوضاً ذكياً وبارعاً يُحصِّل المكاسب الجماعية، ولا يمكن لأحد أن يتخطاه بعد الآن.
وبنتيجة قوة المقاومة، ضَعُف الكيان الاسرائيلي، وأصبح مضعضعاً عسكرياً، ومتراجعاً اقتصادياً، وخاضعاً للتهجير الداخلي وإلى الخارج، ومضروب القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية والتكنولوجية والمالية، ولاهثاً خلف دعم من هنا وهناك، ومتخانقاً داخلياً، ومختنقاً عند الحدود، ومزعزعاً نفسياً، حتى بات يحتاج إلى مصحّة على امتداد الارض المحتلة.
في الختام، يمكن أن نكتب عن قوة المقاومة وتطورها دراسات وأبحاثاً وكتباً بصفحات لا تُحصى، ولكنها إضاءة بسيطة للتفكير، ولئلا يظن التافهون أنهم أقوياء في محاولاتهم لإضعاف المقاومة، فهؤلاء مهما هددوا، لن يستطيعوا إسقاط “هدهد” واحد من طيور الحزب، لأن بنادق صيدهم صدأت أو بيعت، أو صارت تنتمي الى زمن لا يناسب زمننا الحاضر. وأصلاً، البنادق التي تقاتل من أجل مشروع غيرها أو تقاتل الداخل، هي بنادق انتحار.