مع انّ التحدّيات المترتبة على استضافة لبنان لعدد كبير من النازحين السوريين هي كبيرة وصعبة، الّا انّ تشابك الأولويات الداخلية المتعددة، او حتى اشتباكها احياناً، أصاب هذا الملف بشيء من الضمور، من دون إغفال أثر القرار الدولي بابقائه معلّقاً ربطاً بالمصالح السياسية.
على وقع تزاحم الأزمات الداخلية وتراكم الهموم، تراجع ملف عودة النازحين السوريين الى الخطوط الخلفية في الفترة الأخيرة، وبالتالي، فإنّ وتيرة العودة المتدرجة، ولو بأعداد قليلة، انخفضت كثيراً حتى كادت تصبح معدومة، بعدما نشطت في مرحلة سابقة برعاية الأمن العام.
وإذا كان الملف هو في حكم المجمّد حالياً، فإنّ مفاعيل النزوح السوري الى لبنان لا تتجمّد لجهة ما يتركه من انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على البنى التحتية والخدمات العامة، في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة تلقي بأعبائها الثقيلة على اللبنانيين والدولة.
وبينما كان البعض يعوّل على دور روسي فاعل ومحوري في معالجة قضية النازحين، سمع زوار موسكو تشديداً منها على أنّ المعالجة الجذرية تتطلب تعاون المجتمع الدولي معها، خصوصاً لناحية المساهمة في تأمين التمويل واعادة الإعمار، الأمر الذي لم يتحقق بعد بفعل الخلاف المستمر بين روسيا ومنافسيها الغربيين، على طريقة مقاربة الحل السياسي للأزمة السورية
وبالترافق مع غياب التفاهم السياسي الذي يمكن أن يظلّل عودة النازحين ويمنحها الضوء الأخضر الذي تحجبه العواصم الكبرى، ظهرت أخيراً مؤشرات الى احتمال ان تلجأ بعض المؤسسات والجهات الدولية إلى خفض تقديماتها المالية لمساعدة النازحين في المخيمات التي تأَويهم داخل لبنان.
ويبدو انّ هذه الإشارات وصلت أيضاً الى الأردن، حيث كان لافتاً انّ وزير الخارجية الاردني أيمن الصفدي، حذّر بعد لقائه المبعوث الخاص للأمم المتحدة الى سوريا غير بيدرسون من الانعكاسات الصعبة لتراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين والدول والمجتمعات المُضيفة، معتبراً انّ «توفير العيش الكريم لهم مسؤولية مشتركة».
ولئن كان تقنين الدعم المالي للنازحين يمكن أن يدفع بعضهم الى المغادرة الاضطرارية نحو بلده، الّا انّ ما يدعو الى القلق هو انّ البعض الآخر الذي يربط عودته بضمانات او مساعدات، وهو الأكبر عدداً، ستزيد أعباء استضافته على دولة شبه مفلسة، إضافة إلى الخشية من تداعيات اجتماعية وأمنية.
وهناك من يخشى في هذا الإطار من ان يتكرّر مع النازحين السوريين سيناريو تفاقم معاناة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، جراء قرار وكالة «الاونروا» بتخفيض الموازنة المخصّصة لهم.
وضمن سياق متصل، تخوف أحد المسؤولين من احتمال حصول انفجار اجتماعي في مخيمات النزوح، إذا سُجّل انخفاض كبير في منسوب المساعدات الدولية، معطوفاً عليه الواقع الفوضوي السائد والناتج من عدم تسجيل عدد كبير من الزيجات والولادات في صفوف النازحين الموزعين على المخيمات.
وأمام هذا الخطر الداهم، تحرّك وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار على عجل في أكثر من اتجاه، والتقى قبل أيام المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وبحث معه في الأسباب التي ادّت الى توقف العودة وإمكان تذليل العقبات المستجدة التي تعرقلها، طارحاً عليه اقتراحات محدّدة لإعادة تحريك هذا الملف وتنشيطه.
وينتظر حجار انتهاء مجلس الوزراء من إقرار مشروع الموازنة حتى يطلب مناقشة مسألة النازحين وما تواجهه من تحدّيات، علماً انّ حجار القريب من رئيس الجمهورية ميشال عون، يعتبر أنّ إحداث صدمة إيجابية في هذه القضية قد يستدعي زيارة عون لدمشق من أجل مناقشة الخيارات الممكنة لتفعيل عودة النازحين مع الرئيس بشار الأسد، ما دام المجتمع الدولي يتقاعس في واجباته إن لم يكن اكثر من ذلك.
ويقول حجار لـ»الجمهورية»، انّ لدينا تخوفاً من التبعات التي يمكن أن تترتب على تخفيف المؤسسات الدولية مساهماتها المالية، مشدّداً على أنّ المطلوب منها ان تواصل الدفع ولكن ليس لتثبيت وجود النازحين في المخيمات، وإنما لمساعدتهم في العودة إلى بلادهم واعادة تأهيل منازلهم المتضرّرة.
ويعتبر حجار ان المصلحة الوطنية تقتضي محاورة دمشق مباشرة في شأن تسهيل العودة وتذليل الصعوبات التي تعترضها، موضحا ان لقاءه مع اللواء ابراهيم كان يهدف الى محاولة كسر المراوحة في هذه المسألة. ويشير الى انه يعتمد حاليا استراتيجية تفكيك ملف النزوح ومقاربته بالتقسيط، على قاعدة حل ما يمكن حله من عقد وترك المتبقي منها الى مرحلة لاحقة، لافتا الى ان «إحداث خرق، ولو جزئي، يبقى أفضل من الجمود الذي يهدد بتكريس الأمر الواقع على حسابنا».
ويوضح حجار ان هناك مشكلات بسيطة او متوسطة تعترض رجوع جزء من النازحين تبدو قابلة للحل بالتنسيق مع الأمم المتحدة والدولة السورية، «وهذا ما اركّز عليه بدل ان نظلّ قابعين على رصيف الانتظار»