قمة الفرصة الأخيرة… فهل ينجح القادة العرب في الاختبار؟

قمة الفرصة الأخيرة... فهل ينجح القادة العرب في الاختبار؟

كتبت ندى اندراوس في “المدن”:

منذ تأسيسها في العام 1945، شهدت جامعة الدول العربية، خلال عشرات القمم التي عقدتها، على خلافات القادة الأعضاء، وعدم توحيد مواقفهم حتى من القضايا ذات الاهتمام المشترك. وفي مرات قليلة واجه القادة العرب مخططات كانت تستهدف أمنهم عبر التهديد بتصفية القضية الفلسطينية أو تقويض حقوق الشعب الفلسطيني.

قمم بعد قمم
من هزيمة العرب في حرب النكسة في العام 1967، حين خرجت قمة الخرطوم باللاءات الثلاث الشهيرة “لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض مع اسرائيل”. إلى قمة بيروت العام 2002، حيث تم بالإجماع تبنّي مبادرة السلام العربية التي طرحها العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، والتي تنص على الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات طبيعية معها مقابل انسحابها الكامل من الأراضي المحتلة عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لكن إسرائيل لم تستجب.

في العام 2020 طرحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفي ولايته الاولى صفقة القرن، فكان الرفض العربي جماعياً والدول العربية أكدت التمسك بحل الدولتين.

خلال حروب إسرائيل على قطاع غزة، عقدت قمم عربية طارئة عدة كانت تنتهي بالتأكيد على مواقف لم تخرج عن عبارات الدعم للقضية الفلسطينية، الى أن أتت قمة القاهرة الاستثنائية التي من خلال الظروف التي استدعت الدعوة اليها، طروحات الرئيس الاميركي دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين إلى الدول المجاورة وتصفية القضية، والقضاء على حلم حل الدولتين، أعادت القمة المشهد الجامع حول موقف موحد على تبني الخطة المصرية لغزة ومواجهة التهديدات. موقف جامع أعادنا بالذاكرة إلى تاريخ القمم التي كانت تخرج منها مواقف عربية موحدة، بغضّ النظر عن مدى فاعلية تلك المواقف وتأثيرها على المستوى الدولي أو بما يخدم القضية.

الفرصة الاخيرة
جاءت القمة العربية الاستثنائية في القاهرة قبل يومين، في سياق أزمة غير مسبوقة، ومخاطر تتهدد ليس فقط الفلسطينيين وبقاءهم في أرضهم، إنما أمن الدول العربية وجغرافيتها وديموغرافيتها وأمنها.

الاستثناء في قمة القاهرة هذه، أنها عقدت وسط تصعيد خطير في الأراضي الفلسطينية، لا سيما بعد إعلان وقف إطلاق النار وعودة النازحين إلى مناطقهم في القطاع المدمر، في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي ومحاولات التهجير القسري. كما أن القمة جاءت استجابة لدعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبالتنسيق مع ملك البحرين، ما عكس تنسيقاً عربياً استثنائياً بحجم التهديدات.

الاستثناء الذي طبع قمة القاهرة أيضاً، تظهّر في ما ورد في بيانها المؤلف من 23 بنداً، قارب معظمها حجم التحديات والمخاطر التي يستشعرها القادة العرب. مع العلم أنه لن يكون من السهل أن تواجه الدول العربية اليوم التفلت الاسرائيلي من كل القيود من جهة، وفوقية دونالد ترامب وإملاءاته على نظرائه من قادة العالم من جهة أخرى.

ما جرى في البيت الأبيض خلال لقاء ترامب زيلينسكي يبقى شاخصاً أمام الجميع. والخشية من أن أي مواجهة قد تذهب الى حدودها القصوى في ضوء جنون سيد البيت الابيض وارتدادات هذا الجنون على المنطقة، بدءاً من إعادة اشعال الحرب في غزة واستمرار التمدد في الضفة الغربية، وبقاء الاحتلال لجنوب لبنان والتوسع في سوريا. وما قد يطرأ من سيناريوهات تأخذ المنطقة العربية إلى مزيد من الفوضى، لجر الدول العربية الى سلام تريده الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل بشروطهما، وفق تصور لاعادة رسم خارطة الشرق الاوسط، الذي أعطى ترامب نموذجاً عن رؤيته له عندما تحدث عن طرد الغزيين من أرضهم وإقامة ريفييرا الشرق الاوسط على شواطىء القطاع.

خطة الانقاذ؟
لأن الخطر داهم، ولأنه لا يمكن التنبؤ بأفعال ترامب، تعمد العرب تدويل الحل في قطاع غزة، عبر المطالبة بنشر قوات حفظ سلام دولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. طرح جديد لم يعرض في قمم سابقة على الرغم من كل الحروب التي شنتها اسرائيل على الفلسطينيين، وإمعانها في توسيع احتلالها وقضم المزيد من الاراضي.

بالموازاة، اللافت في بيان القمة التأكيد على دعم البنك الدولي للخطة العربية لاعادة إعمار القطاع. موقف رأى البعض أنه مقاربة ذكية للدلالة على قرار عربي بالتحرك سريعاً وعملياً، من خلال تبني إجراءات تنفيذية بدلاً من الاكتفاء ببيانات الإدانة، ولإشراك الأسرة الدولية التي يدعم جزء كبير منها حل الدولتين وبقاء الفلسطينيين في أرضهم من خلال تمويل عملية إعادة الإعمار عبر المنظمات الدولية المعنية.

على الرغم من البيانات القوية الصادرة عن قمم عربية سابقة، كان التحدي دائماً في تنفيذ القرارات. بعد قمة بغداد 1990 التي أكدت دعم الانتفاضة الفلسطينية، لم تتحول هذه المقررات إلى خطوات عملية ملموسة. كذلك، بقيت مبادرة السلام العربية لعام 2002 حبراً على ورق بسبب غياب الالتزام الدولي، وافتقاد الوحدة العربية في عملية ممارسة الضغط الدبلوماسي لتحقيق أي خرق.

لذلك، قد تكون من المرات القليلة أن نشهد ما شهدناه في قمة القاهرة، من تبن لنهج عملي، بالتركيز على إعادة إعمار غزة، والتوجه نحو مجلس الأمن الدولي للمطالبة بقوات حفظ سلام، مع إدراج خطط اقتصادية وتنموية لدعم السلطة. القوة اليوم تكمن في عدم تكرار قادة العرب التجارب السابقة من خلافات وانقسامات ساهمت في زعزعة الوضع العربي ككل، وهمشت القضية الفلسطينية.

بين التوافق والانقسام
منذ اتفاقية كامب ديفيد في العام 1978 ومن ثم أوسلو في العام 1993، تدار المنطقة بمنطقين وبين محورين، محور مؤيد للسلام والاستقرار، ومحور رافض للسلام وللانظمة المؤيدة له. فكان ما كان من شرخ وتباعد وشرذمة للموقف العربي الموحد.

وبما أن العديد من القمم السابقة انتهت من دون تغيير فعلي في الوضع الفلسطيني، بسبب الخلافات العربية حول القضية المركزية، وتخلي البعض منهم عنها، التعويل اليوم هو على أن تشكل القمة العربية الاستثنائية في القاهرة منعطفاً جديداً في تاريخ القمم، وعلاقة الدول العربية بين بعضها البعض وربما على مستوى المنطقة.

بإمكان الدول العربية أن تستفيد من الزخم الدولي غير الأميركي، المطالب بوقف العدوان الإسرائيلي والمصرّ على إقامة الدولتين، وبالتالي الرافض لتصفية القضية الفلسطينية. زخم يستطيع العرب، إذا اتقنوا اللعب على التناقضات، ترجمته بعقد مؤتمر دولي يؤكد على حل الدولتين ويكرس بقاء الفلسطينيين في وطنهم انطلاقاً من الحصول على الدعم السياسي والمالي في عملية إعادة الإعمار وإقامة الدولة الفلسطينية.

ترتيب البيت العربي
من دون أدنى شك، مواقف الرئيس الاميركي دونالد ترامب الداعية إلى ترحيل الغزيين وتوزيعهم على الدول المجاورة استفزت القادة العرب، وأثارت مخاوفهم على أمن دولهم ومستقبل المنطقة. لكن قد تكون هذه المواقف في الوقت ذاته، قد قدمت خدمة للفلسطينيين وللدول العربية نفسها من خلال تحريك المياه الراكدة والدفع باتجاه حلول مطلوبة أكان في فلسطين أو في المنطقة لتأمين الاستقرار والأمن وتصفير المشاكل، والأهم إسقاط لعبة المحاور وسحب آخر الاوراق التي تبتز فيها إيران المنطقة وتهدد استقرارها وأمنها. فهل سينجح العرب في وضع خلافاتهم وحساباتهم الضيقة جانباً، ويعيدوا ترتيب البيت العربي، ويستفيدوا من الفرصة القائمة لفرض شروطهم على طاولة دونالد ترامب.

Exit mobile version