يشهد لبنان خلال الموسم الشتوي الحالي انقطاعًا متكررًا للأمطار، لدرجة أن أي شخص يتابع سير الموسم لاحظ التأخير الكبير في معدلات المتساقطات لهذا العام مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي أو حتى في المعدل السنوي المعتاد. وهذا الانخفاض الملحوظ في كميات الأمطار يشير بشكل واضح حتى الآن إلى تغيّر ملموس في أنماط الطقس، ما يثير القلق بشأن احتمالية تفاقم ظاهرة الجفاف التي تؤثر سلبًا على الموارد المائية والزراعة والحياة اليومية عموما.
وفي حديث إلى “الوطنية ” شرح الباحث في علم المناخ الدكتور جورج كرم أن “النماذج العددية للطقس عادت لتشير إلى تمركز المرتفعات الجوية بشكل يمنع وصول المنخفضات إلى لبنان كما حصل في النصف الاول من الشهر الفائت، بحيث من المتوقع أن يستمر تأثير المرتفع الشبه المداري فوق لبنان والحوض الشرقي للمتوسط، بالإضافة إلى المرتفع السيبيري غرب آسيا، والمرتفع الأزوري فوق شمال – غرب أفريقيا لمدة أسبوع على الأقل”، آملًا أن “تتحسن المنظومة الجوية بدءًا من منتصف كانون الثاني”.
وقال: “هذه التوقعات تبقى مرهونة بأي تعديلات قد تطرأ على بيانات النماذج، نظرًا لأن فترة التوقع تبقى بعيدة نسبيًا”.
وبالنسبة إلى أسباب تغيّر أنماط الطقس أكد أنه “لا يمكننا إنكار تأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري وما أسفرت عنه من تغييرات مناخية عالمية، إلا أنه في الوقت نفسه، لا ينبغي أن نغفل عن أن مناخ لبنان المتوسطي يتسم بتعاقب السنوات الرطبة والجافة وحتى المعتدلة، وهذا ما تؤكده دراساتنا لبيانات الأرشيف المناخي التي تعود لأكثر من 80 عامًا”.
تابع: “دراساتنا أكدت أن كمية الأمطار السنوية في لبنان لم تتغيّر على مدار الأعوام، فهي لا تزال ثابتة نسبيًا، وإن كانت أحيانًا تشهد انخفاضًا في بعض المحطات المناخية، إلا أن هذا الانخفاض لا يحمل دلالة إحصائية. ورغم أننا لاحظنا، من خلال دراستنا الأخيرة التي تمحورت حول تطور الجفاف المناخي في منطقة البقاع الأوسط (ممثلة بمحطتي رياق وتل العمارة)، أن تواتر الأعوام الجافة قد بدأ في الازدياد منذ أواخر الخمسينات، إلا أن هذه السنوات الجافة ظلت في معظمها ضمن دائرة الجفاف المعتدل. وفي المقابل، بقيت سنوات الجفاف القوي قليلة طوال فترة الدراسة، حيث كان آخرها الموسم المطري 2013-2014. ومع ذلك، لا يمكن تعميم هذه النتائج على جميع المناطق اللبنانية، إذ تلعب التضاريس في لبنان دورًا كبيرًا في اختلاف كمية الأمطار بين منطقة وأخرى، مما يستدعي الحاجة إلى المزيد من الدراسات المحلية المتعمقة لفهم تطور ظاهرة الجفاف”.
وقال: “صحيح أن الدراسات الأولية لتطور الجفاف المناخي لا تُظهر خطرًا كبيرًا في الوقت الراهن، إلا أن ارتفاع درجات الحرارة، الذي أصبح مثبتًا علميا من خلال دراساتنا، في لبنان وبخاصة في سهل البقاع (المنطقة الزراعية الأولى في لبنان)، نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري يزيد من معدلات التبخر، وهو ما يعمّق المشكلة. لذلك، يجب أن نكون واعين لسلوكياتنا اليومية، ونتخذ الإجراءات اللازمة لتقليل هدر المياه والمحافظة عليها”.
ختم: “الموسم المطري لم ينتهِ بعد، ولا يزال هناك احتمال لهطول كميات جيدة من المتساقطات في الفترات المقبولة. الأهم أن تكون هذه المتساقطات ثلجية على الجبال اللبنانية، لما لها من دور كبير في تغذية المياه الجوفية التي تُستخدم بشكل أساسي لري المزروعات خلال فصل الصيف الجاف”.
ماريان الحاج- الوكالة الوطنية