«قطشة أبو خليل»

«قطشة أبو خليل»

كتب عبد الفتاح خطاب في “اللواء”:

حفلت صالات السينما أثناء الحرب الأهلية، بعروض متواصلة لأفلام هندية ومصرية وصينية وأميركية مواضيعها متنوعة، أفلام بوليسية وأفلام جريمة ورعب وأفلام جنس وأفلام الوسترن، والأهم أفلام الكاراتيه، وتتميز جميعها بأنها رديئة على مستوى المحتوى والتمثيل والصوت والصورة والإخراج!

في العادة كان يقف منادٍ على مدخل السينما، يرنّ جرساً معدنياً يدوياً، ثم يعلن بأعلى صوته الأجش: «بلّش … بلّش … بلّش»، ثم يُعدد تباعاً الأفلام التي ستعرض. يرتاح بعدها لفترة قصيرة ثم يُعيد ويُكرر المناداة ذاتها!

كان «أبو خليل» لمَن لا يعرفه، المسؤول عن إدارة بكَرة الفيلم وعرضه في عدد من صالات السينما، وتمتّع بشهرة واسعة، ضاهت شهرة بعض الشخصيات السياسية والاجتماعية في حينها.

خلال عرْض الأفلام كان المُشاهِدون يهتفون بأعلى الصوت: «قَطْشِة أبو خليل»، وسرعان ما يلبّي نداءهم ويقْطش (يقطع) عرض الفيلم في موقف أو لحظة حرجة، ويعرض مشهد حميم أو جنسي، فتضجّ الصالةُ بالتصفيق والصفير ودبك الأرجل، ثم يسود الصمت فيما المشاهدين مشدوهين بما يرون، ليعود «أبو خليل» بعدها إلى عرض الفيلم السابق.

ولأن العروض متواصلة، ولا تسمح بفترة توقف للتنظيف من المُخلفات والنفايات الهائلة التي كان يتركها المشاهدون، فكان العمال يدخلون القاعة بين الحين والآخر، وينادون «علّوا إجريكم أنت وياه … بدنا نشطف»، ويُفرّغون المياه من أسطل معدنية، ويقومون بالتنظيف خلال عرض الفيلم!

في ظلّ عرض الأفلام المتواصل التي يمر بها لبنان، نذكر المُبدع زياد الرحباني بالخير على مسرحيته المعاصرة الرؤيوية «فيلم أميركي طويل» (1980)، ونترحّم على أيام «أبو خليل» ونقول: أين أنت … بدنا قطشة من هالفيلم الذي نعيشه!

Exit mobile version