كتب زاهر أبو حمدة:
من يصفون الفدائيين أو الشعب الفلسطيني بـ”البربرية”، هم أنفسهم بربريون وفقاً للتاريخ. فهذه ألمانيا استمدت اسمها من القبائل الجرمانية الموسومة بـ”البربرية” من الإمبراطورية الرومانية. استقرت هذه القبائل في الشمال الأوروبي (جرمانيا) وشمال وشرق “بلاد الغال” أي غرب أوروبا حالياً (فرنسا، سويسرا، بلجيكا،…). ويُستخدم مصطلح الشعوب الجرمانية للدلالة على سكان جنوب السويد، وشبه الجزيرة الدنماركية، وشمال ألمانيا أثناء نهاية العصر البرونزي، وهذه الشعوب ظهرت بالتزامن مع وجود قبائل هندية أوروبية تسمى الكلت/ القلط (Celts) في بريطانيا وفرنسا ووسط أوروبا ووجود الرومان كإمبراطورية حضرية توسعية في إيطاليا، لكن القبائل الجرمانية المهاجرة إلى المناطق الاسكندينافية أصبحت تُدعى “الفايكنغ” وقبائل جرمانية أخرى استوطنت بلاد الغال ومناطق جرمانيا مع مدّ وجزر حسب الغزوات الموسمية، وفي فرنسا أنشأت مع مرور الوقت ممالك اتصفت بالمدنية.
خاضت القبائل الجرمانية حروباً كثيرة في ما بينها، ومع الرومان، ومع الكلت، ومع شعوب أوروبية أخرى، ووصف الرومان هذه القبائل بالبربرية بسبب همجيّتهم وقساوة قتالهم وطرق معيشتهم في البيوت الخشبية والاعتماد على الصيد وبعض الزراعات. وعُرف الجرمانيون بطرق وفنون قتالهم وغزواتهم المتكررة بغارات مفاجئة لبعضهم البعض لكسب أرض أو موارد وثروات أو اغتنام مواشٍ وطعام. وتقترن مسألة الحرب بعقيدتهم الوثنية، فعندهم إله للحرب يدعى “ثور”، والآلهة عندهم تتصارع وتخوض حروباً. في البداية، كان لديهم مجموعتان من الآلهة: “آيسر” و”فانير”. لكن الأولى انتصرت على الثانية (نتيجةً للحروب القبلية)، ثم جرى توحيد مجموعة الآلهة لتتضمن 12 معبوداً رئيسياً بزعامة الرب “أودين” Woden/ Odin، ومن بين الآلهة بالدر Balder، وفريا Freyja، كما آمنت القبائل الجرمانية بوجود مكان يشبه الجنة بعد الموت يُدعى “فالهالا” Valhalla ومكان يسكنه الآلهة عُرف بـ”أسكارد” Asgard.
شكلت القبائل الجرمانية تحدّياً كبيراً للقوة الأكبر في الأرض حينها، أي إمبراطورية روما، ولذلك عمدت إلى شق صفها واحتلال أراضيها وتدفيعها ضرائب مرتفعة، كما أخذت رجالها ونساءها ليكونوا ضمن الجيش الروماني، فكان هذا استعباداً كامل الأوصاف من دون رحمة. بعض القبائل وافقت على ذلك حتى ظهر آري، من قبيلة “شيروسي”/ Cherusci ليوحّد قبيلته، ومن ثم يجمع القبائل كلّها بهدف تحريرهم من سطوة الرومان واستعادة أراضيهم. القائد آري هو أرمينيوس بالمخطوطات الرومانية، حيث هزم جيشهم المدجّج في معركة فاروس المعروفة بمعركة غابة تويتوبورغ. كان ذلك في العام التاسع بعد الميلاد، حيث كانت حيلة القائد لكسب الحرب عبر استدراج جيش بوبليوس كوينكتيليوس فاروس Publius Quinctilius Varus المؤلف من خمس فرق إلى داخل الغابة، ومن ثم الانقضاض عليه، فخسر الجيش ثلاثاً من فرقه لينتحر بعد ذلك فاروس، وتُسمى المعركة على اسمه.
يشير المؤرخ الروماني تاسيتس إلى أن القبائل المقاتلة تحت قيادة آري/ أرمينيوس هي خمسٌ: “الشاتي” Chatti، قب “فريسى” Frisii، شوسي Chauci، “شيروسي” Cherusci، و”السويبي” Suebi. لكن اللافت في الأمر أن عدد الجيش الروماني كان أكثر بخمس مرات من عدد المقاتلين الجرمانيين. وهنا استطاع قائد إقناع بني قومه بالمقاومة والقتال لانتزاع حقوقهم. وفي الحالة الفلسطينية، فصائل تتحول إلى قبائل يتجاوز عددها الـ 18 بين مؤثر أو لديها كشوفات بأسماء مناضلين لا أكثر. ويمكن لهذا العدد الكبير أن يعرقل أيّ وحدة سياسية وميدانية، لكن التجارب السابقة تؤكد أن ذلك سهل جداً، وما نحتاج إليه دائماً هو قائد واضح بالأهداف والآلية. ومن يمكن أن يقوم بهذا الدور هو مروان البرغوثي، فجميع استطلاعات الرأي تضعه في المقدمة دائماً.