يعود قانون المنافسة إلى اللجان النيابية المشتركة اليوم، من دون التوافق على المادة المتعلقة بالوكالات الحصرية. اللجنة النيابية المكلفة مناقشة القانون «لغّمت» المادة بإضافة ثلاثة اقتراحات على الاقتراح الأساسي، وكلها تكرّس «الحصرية» وحماية الدولة لأصحاب الوكالات. القانون، كما يريده البعض، يعزز الحصرية والهيمنة تحت مسمى «قانون المنافسة»يصل قانون المنافسة إلى اللجان المشتركة اليوم بعد تعديلات أدخلتها اللجنة النيابية الفرعية المكلفة مناقشته برئاسة النائب فريد البستاني. القانون فُرّغ من مضمونه ليصبح قانون تعزيز حماية الدولة للوكالات الحصرية وتعزيز الاحتكارات والهيمنة في السوق. فالمادة الخامسة تحت مسمى «حرية استيراد الوكالات الحصرية» لا تعطي حريّة استيراد السلعة نفسها لطرف ثالث أو رابع أو… باستثناء الوكيل الحصري!
الخلاف بين أعضاء اللجنة حول الاقتراحات الثلاثة لنص المادة الخامسة انتهى، بعد جلستين عقدتا الثلاثاء والخميس الماضيين، إلى زيادة اقتراح رابع قدّمه النائب سمير الجسر! هكذا، أُضيفت كلمة «مُعلّقة» إلى جانب هذه المادة على أمل أن تحسم اللجان المشتركة الخلاف مع توقعات أن يُحول إلى الهيئة العامة من دون التوافق أيضاً. والاقتراحات الأربعة هي:
– الصيغة الأساسية، كما وردت في اقتراح كتلة الوفاء للمقاومة، وتنص على أنه «يجوز لأي شخص إبرام عقد اتفاق، لاستيراد أي منتج أجنبي مسموح بتداوله على الأراضي اللبنانية، من أجل بيعه أو توزيعه أو تسويقه أو ترويجه، بغض النظر عما إذا كان المنتج المستورد قد سبق أن تم حصر استيراده أو بيعه أو توزيعه أو تسويقه أو ترويجه بوكيل حصري في لبنان». لم تحز الصيغة على توافق النواب (راجع «الأخبار» الإثنين 31 كانون الثاني 2022) لأن ثمة من يريد للدولة الاستمرار بحماية أصحاب الوكالات. علماً أن ثمة من يلفت إلى أنه يجب حذف عبارة «إبرام عقد اتفاق» وفتح باب الاستيراد بأي صيغة للجميع.
– الاقتراح الثاني وكُتب إلى جانبه «الاقتراح المعدّل»، صاغته الهيئات الاقتصادية، وجاء فيه: «يقوم المجلس بتقييم أي وكالة حصرية بمفهوم المرسوم الاشتراعي رقم 34/67 تتجاوز حصتها السوقية 40% لناحية تأثيرها على السوق وإخلالها بالمنافسة استناداً إلى المادتين 9 و11، وتصدر على أثرها أحد القرارات المنصوص عليها في المادة 36 من هذا القانون»، ما يعني فعليا الإبقاء على الوكالات ومنع المسّ بها باعتبار أنها إذا كانت تستحوذ على أقل من 40% في السوق، فإنها لا تحتكر السلعة التي تستوردها. وقد تُركت مهمة تحديد وضعها لمجلس المنافسة المنبثق من الهيئة الوطنية للمنافسة التي تخضع لوصاية وزير الاقتصاد، أي للتدخلات السياسية ولكارتيل الوكالات النافذ لدى السياسيين أو المؤلف من السياسيين أنفسهم. وتقول هذه النسخة بكل صراحة أن على الراغب باستيراد بضاعة مماثلة لبضاعة الوكيل أن ينتظر حكم المجلس الذي قد لا يصدر، كما هي حال كل الهيئات الناظمة التي لم تر النور.
– الاقتراح الثالث بعنوان «اقتراح وزير الاقتصاد والتجارة». وهو يتبنى في البند الأول اقتراح «الوفاء للمقاومة» بفتح باب استيراد أي منتج أجنبي وبيعه وتسويقه، لكنه أضاف
بنداً يمنح أصحاب الوكالات الحصرية سنتين من تاريخ نفاذ القانون لـ« تصفية أعمالهم مع موكليهم من الشركات الأجنبية»، في مسعى آخر لإطالة أمد الحصرية قد يجد أصحاب الوكالات خلاله منفذاً لإعادة تمديد الفترة إلى ما لا نهاية.
– الاقتراح الرابع قدّمه الجسر وأُضيف على عجل في جلسة الخميس الماضي، وهو بمثابة بدعة. إذ يمنح الحق لكل شخص باستيراد أي سلعة شرط استيرادها مباشرة من بلد تصنيع المنتج مع إبراز شهادة المنشأ. ووفق الوزير السابق فادي عبود، «هذا الشرط يعزز الحصرية ومُعد خصيصاً لمنع أي شخص من الاستيراد أو محاولة خفض الأسعار عبر ربط الاستيراد ببلد المنشأ حتى في حال حصول الشخص أو التاجر على سلعة ما في أي بلد آخر وبسعر أقل من بلد المنشأ». اقتراح الجسر يعزز الحماية عبر إعطاء الحق «لممثل سابق في حال تدوين إشارة حكم مبرم بالتعويض عليه على صحيفة الشركة التي كان يمثلها، أن يبلغ مضمون الحكم إلى إدارة الجمارك كي لا يسمح بتخليص البضائع المستوردة من إنتاج الشركة المحكومة»، ما يسمح لكل الوكلاء بوقف أي شحنة قادمة إلى لبنان إذا لم تكن عبرهم.
الخلاصة أن كارتيل الوكالات الحصرية لا يزال نافذاً وقادراً على تعطيل القوانين الإصلاحية. علماً أن اللجنة الفرعية التي ناقشت القانون تتمثل فيها كل الأحزاب. ومن خلال النقاشات، كان التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وتيار المستقبل واضحين في دعمهم لأصحاب الوكالات، في مقابل رفض «الوفاء للمقاومة» لحماية الوكالات والمطالبة بإلغائها، يساندها الحزب الاشتراكي وحركة أمل. النائب حسين الحاج حسن قال لـ«الأخبار» إن الكتلة متمسكة بالاقتراح الذي قدمته لأن «بيكفي ربحوا كتير. هذا القانون إصلاحي ومطلوب محلياً ودولياً ووارد ضمن كل الاتفاقات الدولية التي وقع لبنان عليها. وأمام هذا الانهيار آن الأوان لإنقاذ الاقتصاد».
3380 وكالة حصرية مسجلة في السجل التجاري غير مطابقة للقوانين
وخلال جلسة اللجنة النيابية الفرعية الخميس الماضي، رفع الحاضرون طلباً إلى وزارة الاقتصاد طلباً بتقديم إحصاء جدّي حول عدد الوكالات الحصرية. وعلمت «الأخبار» أن عدد الوكالات المسجلة في الوزارة 320 وكالة، لكن غالبيتها غير مُجدّد. إلا أن المشكلة في عدد الوكالات المسجلة في السجل التجاري والبالغة 3380 وكالة، غالبيتها مشطوبة من وزارة الاقتصاد، بالتالي يفترض أن تكون ملغاة. ويتطلب ذلك إيراد بند واضح بإلغائها من السجلات لأنها غير مطابقة للمواصفات. وبحسب معلومات «الأخبار»، فقد أضافت وزارة الاقتصاد بنداً لإلغائها ضمن اقتراح وزير الاقتصاد حول المادة الخامسة لأن الإبقاء عليها في السجل التجاري يسمح لأصحابها بالقفز فوق الوزارة والادعاء مباشرة لدى قاضي الأمور المستعجلة مستندين إلى هذا التسجيل لنيل حكم مبرم ومنع أي شخص من منافستهم رغم عدم قانونية أوضاعهم.
رفع الحماية لا إلغاء الوكالات
الوكيل الحصري هو كل مستورد حصل على عقد حصري من أي شركة أجنبية باستيراد سلعها. المشكلة ليست في الوكالة بحدّ ذاتها إنما بالمرسوم الذي جعل مهمة الدولة حمايتها ومصادرة أي بضاعة لأي تاجر مستورد للسلعة نفسها في حال لم يكن يملك وكالة. بالتالي، المطروح هو رفع حماية الدولة التي تمنع أي تاجر أو مواطن من إدخال هذه البضاعة إلى السوق مما يحقق المنافسة وخفض الأسعار. لكن أصحاب الوكالات يسوقون أن المسعى هو «إلغاء الوكالات الحصرية» في محاولة لجعل المعركة ضد المسيحيين الذين يملكون العدد الأكبر من الوكالات، وعلى هذا الأساس يتم تقديم الأمر إلى البطريرك الماروني بشارة الراعي. علماً أن كل الدول ألغت منذ زمن الوكالات الحصرية، ولم يتم الإبقاء عليها سوى في لبنان والإمارات العربية المتحدة التي تتجه إلى إلغائها قريباً.
الهيمنة باقية
المادة التاسعة في قانون المنافسة توازي المادة الخامسة أهمية. إذ تحدد «إساءة استغلال الوضع المهيمن» الذي يتحقق عندما يكون الشخص قادراً على السيطرة الفعلية، سواء بمفرده أو مع عدد قليل من الأشخاص، على سوق سلعة أو خدمة معينة أو مجموعة من السلع أو الخدمات بشكل مستقل عن منافسيه أو زبائنه أو مورديه. هذه المادة اعتبرت أن الهيمنة تتحقق فقط في حال كانت حصة الشخص أو الشركة في السوق المعني لا تقل عن 35% (الوفاء للمقاومة حددتها بنسبة 20% في النسخة الأساسية). وأعطت هذه المادة الحق لأي مجموعة تتألف من 3 أشخاص أو أقل التحكم بنحو 45% من السوق، أما إذا تخطت هذه النسبة فتكون مهيمنة. وفي حال كانت تتألف من 5 أشخاص أو أقل يشكلون مجتمعين نسبة 55% من السوق. مبدأ تكريس «الهيمنة» كمصطلح وتحديد نسبته، وفق الوزير عبود، هو بحدّ ذاته منع للتنافس الحرّ وتقييده بأرقام، في حين أن الأسواق يفترض أن تكون مفتوحة للجميع، «عدا عن أن نسبة الـ35% توازي ثلث السوق، ما يعني أن أي شركتين أو ثلاث من الشركات الكبيرة ستأكل الشركات الناشئة حديثاً وستستحوذ على السوق بأكملها». ويرى عبود أن الدولة عبر اتخاذها إجراء مماثلاً «تهندس قانون يعيق التنافس الحرّ وتعمل على إقرار قانون يزيد الحصرية والهيمنة وتسميه قانون منافسة».