قائد الجيش يطل مرشّحاً من بوابة الحرب
كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:
في وقت كان فيه لبنان مشغولاً باغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وينتظر احتمالات الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، بدأت حملة ترويج إعلامية وسياسية تعيد تسليط الضوء على قائد الجيش العماد جوزف عون، والعمل من خلال حملة سياسية – إعلامية لانتخابه سريعاً رئيساً للجمهورية. لكن حدّة المخاطر، التي تحيط بلبنان، تحتاج الى كثير من الحكمة، وليس الارتجال، في التعاطي مع التطورات العسكرية والتسويات المرتقبة.قبل أشهر قليلة من انتهاء الولاية الممدّدة لعون، وقبل أن تنفجر الحرب جنوباً وتتوالى الأحداث الخطرة، انحسر الكلام عن رئاسة الجمهورية محلياً. مع ذلك، بقيت هناك محاولات أميركية وفرنسية تعمل على إحياء فرص انتخاب رئيس جديد في وقت انشغل فيه العالم بحرب غزة، قبل أن تتحول الأنظار الى لبنان. في هذه المرحلة، انطفأ كل كلام عن ترشيح قائد الجيش للرئاسة، حتى إن الكلام عن احتمال التمديد له، مرة ثانية، سُحب من التداول، في ضوء كلام نقله نواب عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعدم فتح ملف التمديد مرة ثانية، تحت أي صيغة كانت، ولو بهدف شمولها مجموعة من القادة الأمنيين والعسكريين. حتى إن نواباً في التيار الوطني الحر، بعضهم من المستقيلين حديثاً، تحدثوا عن احتمالات تعيين قائد جديد في مجلس الوزراء بتسوية يرضى بها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
الاعتداءات الإسرائيلية المتتالية ودخول لبنان مجدداً في حالة الحرب، حوّلت بطبيعة الحال الأنظار من ملف الرئاسة الى مكان آخر مختلف جذرياً، وينذر بمخاطر تحيط بمستقبل لبنان. ومع ذلك، حملت الأيام الأخيرة مؤشرات دعت الى التساؤل عن خلفية دفع قائد الجيش الى الضوء مجدداً من فريق سياسي وإعلامي يحاول عبر لقاءات نيابية وديبلوماسية تقديمه في صورة الرئيس العتيد، على خلفيات بمستويات عدة:
حين وصل الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت، الأسبوع الماضي، كان أول لقاءاته مع قائد الجيش، عدّ مؤيدو عون الزيارة مؤشراً الى مبادرة فرنسية تقوم على التعامل مع عون مرشحاً توافقياً مرضياً عنه أميركياً وفرنسياً. ورغم الكلام عن أن عون هو الذي طلب اللقاء، وأن انطباعات فرنسا سابقاً وحالياً عن قائد الجيش ليست مشجعة أو إيجابية، إلا أن الإحاطة بالزيارة ظلّت بالنسبة الى مؤيدي عون مؤشراً فاعلاً على تقدّم حظوظه، شأنها شأن زحمة اللقاءات الديبلوماسية الغربية في اليرزة، رغم أنها طبيعية بالمعنى العملي، لأن هذه الدول يفترض أن تواكب عن قرب التطورات الميدانية، والجيش مكلف بالوجود في الجنوب تنفيذاً للقرار 1701، وما يمكن أن يقوم به في حال توسع التوغل الإسرائيلي، ولا سيما أن بعض الأسئلة طرحت حول الإجراءات التي اتخذها فعلياً الجيش أو تأخر في اتخاذها في إطار التموضع الميداني جنوباً، وإمكان أن يواجه الجيش أي اجتياح إسرائيلي. هذه الأسئلة الديبلوماسية لا تزال بالنسبة الى العواصم الغربية محصورة في هذا الإطار، قبل الوصول الى الصورة الأشمل لمهمة الجيش في أيّ ترتيبات أمنية يجري الحديث عنها أميركياً وإسرائيلياً، في تخطٍّ واضح للقرار 1701. لكن تجدّد الكلام في نقاشات دارت في نيويورك وواشنطن حول دور الجيش، خلق لدى قيادة اليزرة انطباعات صبّت في مصلحة طرح مشهد رئاسي على قاعدة أن الرئيس الجديد قادر على تحقيق خرق من بوابة الترتيبات الأمنية التي يضمنها الجيش الذي كان مسؤولاً عن تنفيذ القرار 1701.
حجم الخطر الذي يقبل عليه لبنان أكبر من أن يتمّ التعامل معه بألاعيب سياسية
مع المبادرات الداخلية واللقاءات بين بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، والكلام عن الرئاسة بعد وقف النار، اعتقد فريق عون أن الفرصة سانحة للتقدم والبدء بسلسلة زيارات واستقبالات سياسية ونيابية تضع عون كمخرج للأزمة الحالية، وكطرف فاعل قادر على إنقاذ الوضع، ويخلق فرصة للتعويض عن غياب القوى السياسية عن المشهد لاعتبارات مختلفة. وقد يكون اغتيال نصر الله مناسبة لتموضع قوى سياسية مجدداً حيال فعل الموافقة على عون مرشحاً رئاسياً، والجميع يعلم أن الحزب لم يكن في هذا الوارد مطلقاً. إلا أن التطورات الجنوبية، والتي تحتّم، كما هو مفترض، دوراً للجيش، أو تحييداً له، في أيّ اجتياح تلوّح به إسرائيل، ستخلق وقائع سياسية جديدة، وستكون لقادة سياسيين مصالح وحيثيات مختلفة عن تلك التي سبقت مرحلة أيلول بكل مفاعيلها الأمنية والسياسية.
في المقابل، ثمة وقائع أمنية داخلية أعادت تصويب الأنظار نحو الجيش، سواء ما تبع عملية اغتيال نصر الله من تدابير، وحتى بعد انفلاش النزوح من مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية، وبعض الإشكالات التي جرت وتدخّل الجيش لفضّها. لكن ذلك يفترض ألّا يستثمر في توجيه دور الجيش وتضخيم أيّ توترات لمصلحة استثمار الأمن في الرئاسة. الواضح أنّ ثمةَ ضباطاً على الأرض وفي مواقع ميدانية حريصون على التعامل بهدوء مع أيّ إشكالات ومنع حدوث توترات تحت ضغط الوضع والنزوح، وضبط الحالة الاجتماعية بالتنسيق مع فاعليات على الأرض، حتى لا ينفجر الوضع داخلياً بعيداً عن الضربات الإسرائيلية. وهنا يصبح دور الجيش مزدوجاً، لكنّه محصور بالأمور العملانية، لأن الحرب في بداياتها، وحجم الخطر الذي يقبل عليه لبنان كبير جداً، وأكبر من أن يتمّ التعامل معه بألاعيب سياسية.