كتب مدير “مركز بيروت للأخبار” مبارك بيضون:
أمام ما يجري في عالم اليوم عموماً، ومنطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد، يتأكد العالمون ببواطن الأمور أنّ منطقتنا تعيش اليوم سقوطاً مدوٍّياً لكل المعايير التي من شأنها ضبط إيقاع المنطقة، سواء على مستوى القوانين الدولية أو القرارات الأممية، والتي لطالما شكّلت مرجعاً لتنظيم الصراعات وضبط النزاعات.
من هنا، وبعد دخول قطاع غزة مرحلة “صمت المدفع” وفتح باب الديبلوماسية، يتأكد أن “السابع من أكتوبر 2023 كان ولا يزال نقطة تحول مفصلية، إذ لم يعد بالإمكان العودة إلى ما كان عليه الوضع سابقاً، مع انهيار كل التوازنات، وأصبحت إسرائيل تشعر بتهديد حقيقي على وجودها.
إعادة رسم خارطة النفوذ
لذلك، يعكس المشهد الحالي يعكس للمنطقة، مساعي الكيان العبري لإعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة، عبر التصعيد المستمر سواء في الضفّة الغربية أو في قطاع غزّة، الأمر الذي يعزّز حالة عدم السيطرة على مختلف المحاور، ويفتح الباب أمام احتمالات واسعة، قد يكون من بينها عودة الإسناد من جديد إلى جبهات المقاومة.
في ظل هذه المخاوف، ومنعاً للانزلاق نحو الأخطر، من وجهة نظر حكومة اليمين الصهيوني المتطرّفة، يسعى العدو الإسرائيلي إلى تنفيذ خطة توسعية تمتد إلى الأراضي السورية، وتحديداً نحو القنيطرة والمناطق المحاذية والقريبة من دمشق، حيث تتكثّف عمليات القصف اليومي بهدف تدمير الترسانة العسكرية الموجودة هناك، ومنع أي تهديد قد ينطلق من هذه الجبهة في المستقبل.
أما في ما يخص الانتشار والتوسّع في النقاط المستحدثة في لبنان وسوريا وحتى بعض النقاط التي قُصفت وامتدت إلى مناطق أمنية داخل سوريا، وصلت إلى عمق أكثر من 31، فسببها مخاوف تجدّد الحرب في غزة وإعادة ما يُسمّى بـ”جبهات الإسناد”.
مآرب في الجنوب اللبناني
هذا التصعيد لا يقتصر على سوريا فحسب، بل يشمل أيضاً لبنان، إذ يواصل العدو المنتهك لكل القرارات والمواثيق، خرق السيادة اللبنانية من خلال بقاء قوّاته في 5 نقاط حدودية، في انتهاك صراخ وواضح يهدف إلى فرض أمر واقع جديد يخدم مخططاته العسكرية والاستراتيجية.
فالأهداف الأساسية من الإبقاء على النقاط الـ5 في جنوب لبنان، المتاخمة للشريط الحدودي المحتل هي إيجاد منطقة عازلة داخل تلك المنطقة منزوعة السلاح، بانتظار قيام الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام “اليونيفل” بالانتشار بشكل أو بآخر بما يطمئن العدو الاسرائيلي بأنه لم يعد هناك أيٍ وجود للمقاومة العسكرية، بعدما درم العدو البيوت والبنى التحتية لتلك المنطقة بشكلٍ شبه كامل، ما يوفر يعطي الطمأنينة للعدو الاسرائيلي بأنّ هذه المناطق أقله تحتاج من سنتين إلى ثلاث سنوات لإعادة بنائها، وبالتالي توفير تطمينات للمستوطنين بالعودة إلى الشمال الفلسطيني المحتل.
لكن هناك تخوّفاً من موضوع الحرس الفردي، وبدء المستوطنين بتشكيل قوات مسلحة جاهزة مدعومة بألوية عسكرية صهيونية تُنشر على منطقة الحدود اللبنانية السورية، بالتزامن مع انتشار كثيف لنقاط المراقبة والمناطيد.
سقوط اتفاقات المساكنة
كل هذه الخروقات تأتي في سياق ترتيبات عسكرية وأمنية تعكس حالة القلق المتزايد داخل الكيان الصهيوني، خاصة في ظل المعطيات الحالية التي تشير إلى استحالة العودة إلى أي من الاتفاقات السابقة، سواء كانت دولية أو إقليمية.
هذه الاتفاقات كانت قائمة على مبدأ “المساكنة”، أي التعايش بحدود معينة وفق تفاهمات غير رسمية، إلا أن هذه المساكنة سقطت تماماً بفعل التصعيد الإسرائيلي المستمر، والذي تجسّد في الاعتداءات الوحشية والجرائم التي يرتكبها العدو بشكل يومي، مما يجعل من المستحيل إعادة إحياء تلك الاتفاقات أو الرهان عليها مجدداً.