الاخبار الرئيسيةمقالات

في تصويب القضيّة

زياد شبيب / النهار

صحيح أن الحروب هي صناعة بشرية صرف لا شأن للآلهة بها ولكن البشر على مرّ التاريخ أعطوا لحروبهم الدفاعية منها أو الهجومية أبعادًا وأسبابًا ودوافع إلهية ودينية واستعانوا بالأوامر الإلهية والكتب لتبريرها. السبب ربما يعود إلى أن التجنيد وحمل الشعوب على التحوّل من نمط حياتها العادية إلى حالة الحرب والإقبال على التجنّد والقتال والموت يحتاج إلى وسائل غير عادية في الإقناع وهذا يسهل تحقيقه عن طريق توسّل البعد الأخروّي.

على أرض #فلسطين تدور حرب مستمرّة منذ خمس وسبعين سنة. منشأ هذه الحرب دينيّ بامتياز لأن الجهة المعتدية التي اغتصبت الأرض وارتكبت المذابح وهجّرت أهلها، هي جماعة عنصرية قامت على أساس إنشاء وطن قومي لليهود في أرض فلسطين منطلقة من بعض نصوص التوراة التي اعتبرت أنها تسمح لها وبترخيص إلهي بقتل أهل تلك الأرض وإخلائها واستيطانها. هذا المنطق لا شك بأنه شيطاني لأنه ذروة الشرّ وهذا لا يأتي من الإله، فلا يمكن أن يأمر خالق البشر بعضًا منهم بقتل بعضهم الآخر باسمه ولحسابه ولأي سبب كان.

المشكلة أنه بين الحين والآخر تظهر طروحات على الطرف المناهض لدولة الإحتلال تنطلق من منطلقات تقع في خطأ ارتداء الطابع الديني وتوسّل الكتب الدينية، أو في الدعوة إلى قتل الشعب اليهودي المستوطن أرض فلسطين ورميه في البحر. في حين أن القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية وقضية ظلم كبير مستمرّ ومتمادي ومن السهل أن يحصل أصحابها على دعم شعوب العالم كلها إذا ما حافظوا على طابعها الأخلاقي والإنساني هذا.

يبرّر البعض ذلك الانحراف بما يرتكبه الاحتلال في حق المدنيين ولكن التجربة قد أثبتت أن نتائج هذه الأفعال كارثية على الشعب الفلسطيني المظلوم نفسه لأنها تسمح للعدوّ بتبرير قتله أضعافًا مضاعفة من المدنيين من دون أن يعاقبه العالم على أفعاله الشنيعة، وما يحصل اليوم وكل يوم في غزّة وكذلك في الضفة الغربية أكبر دليل على ذلك.

ماذا كانت حركة حماس لتخسر لو أنها اكتفت في السابع من تشرين الأول بأخذ العسكريين الذين وقعوا بين أيدي مقاتليها أسرى، وكيف يمكنها أن تستخدم كلمة أسرى ذات المدلول المعروف في قانون الحرب للدلالة على جميع المحتجزين عندها بمن فيهم المدنيون؟ أولم تساهم صور النساء المدنيات اللواتي جرى تحميلهنّ بالدراجات والسيارات من قبل المقاتلين في ذلك اليوم بتسهيل مهمة العدوّ في إقناع كثيرين في العالم بأن تلك الأفعال تأتيها جماعات إرهابية وفي تحويل الانتصار الكبير الذي تحقق يومها إلى فرصة للعدوّ للقتل الجماعي للمدنيين في غزّة المستمر وبالآلاف منذ ذلك اليوم بغطاء وترخيص من دول العالم الغربي؟

الصورة طبعًا كانت ستكون أفضل والقضية كانت ستكون أقوى والعالم كان سيتحوّل إلى التعاطف مع فلسطين لأنها قضية حق وليست قضية دينية كما يريدها العدوّ. في هذا الإطار هناك من يستمر بالخلط بين الغرب والمسيحية مسقطًا على الدعم الغربي الأعمى والإجرامي لإسرائيل صفةً دينية باعتبار الغرب ذا غالبية مسيحية، وهذا خطأ كبير لأن الغرب في نُخبِه المالية والإعلامية المسيطرة، ليس ملحدًا وحسب بل هو يضطهد المسيحية ومن يعرف تلك المجتمعات جيّدًا يدرك ذلك. في المسيحية انتهت الوعود التوراتية بمجيء المسيح وأصبح ذلك الكتاب يسمّى “العهد القديم” الذي حلّ مكانه عهد جديد قائم على وعد إلهي غير مرتبط بأرض أو بقيام دولة لشعب معيّن، بل على وعد بملكوت الله السماوي الذي يشمل جميع الأمم ولا يقتصر على شعب واحد يدّعي أنّه المختار.

زر الذهاب إلى الأعلى