في اليوم العالمي لرفع الوعي ضد الانتحار.. ماذا تقول الأرقام؟

شمس الدين: قد تصل أعداد المنتحرين مع نهاية عام 2024 الى 180 !

في اليوم العالمي لرفع الوعي ضد الانتحار.. ماذا تقول الأرقام؟

يشهد لبنان في السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الانتحار، ما يعكس الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تمر بها البلاد. التدهور الاقتصادي، ارتفاع معدلات البطالة وانهيار العملة، كلها عوامل تزيد الضغوط النفسية على الأفراد. بالإضافة إلى ذلك، يعاني اللبنانيون من صعوبات في تأمين الاحتياجات الأساسية، مثل الغذاء والتعليم والاهتمامات الطبية، مما يولد مشاعر اليأس والإحباط.

وتتزايد الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق، إلا أن الوصول إلى خدمات الصحة النفسية محدود، بسبب التكاليف العالية ونقص الوعي. وتؤدي الوصمة الاجتماعية المرتبطة بهذه المشكلات إلى عزوف الكثيرين عن طلب المساعدة.

بالمقابل، تكمن مصيبة اللبنانيين في المسؤولين الذين يهملون قضايا الشعب، ولا يسعون بجدية لإيجاد حلول للأزمات المتعاظمة، مما يفاقم مشاعر القنوط والاستسلام لدى المواطنين. وفي ظل انهيار اقتصادي وشلل سياسي وتراجع في مستوى الخدمات الأساسية، يتحمل المواطن عبء التدهور اليومي دون أي بوادر لحل. تتطلب الوقاية من هذه المأساة تغييرات جذرية في هيكلية الحكم، من خلال توفير حلول حقيقية للأزمات، وتحسين جودة الحياة وتعزيز الشفافية والمحاسبة ومحاربة الفساد.

ازدياد حالات الانتحار!

يشير الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين لـ “الديار” الى أنه “عند النظر في حالات الانتحار المسجلة في لبنان من العام 2012 حتى 2023، نلاحظ أن الحصيلة بدأت ترتفع تدريجياً. فعدد حالات الانتحار في عام 2012 كان 108، وبلغ الرقم الأعلى في عام 2019 نحو 170 حالة، ثم أخذت الحالات بالتراجع، حيث انخفضت الأرقام في عام 2020”.

ويضيف “سجل العام 2023 170 حالة، وهو الرقم نفسه الذي وصلنا إليه في عام 2019. لذا، يمكننا القول إن الأرقام عادت إلى الارتفاع في عام 2023. وسجل عام 2024 منذ بدايته حتى شهر آب 80 حالة انتحار، مما يعني أن هذا العام قد يشهد من 170 إلى 180 حالة انتحار”.

ويكشف عن أن “هذا الارتفاع في حالات الانتحار يرتبط بعدة أسباب، شخصية وأخرى متصلة بالانهيار المالي الذي يشهده لبنان. فهناك أشخاص فقدوا مدخراتهم وحساباتهم في المصارف، مما قد يدفعهم إلى الانتحار. بالإضافة إلى ذلك، هناك الضغط الاقتصادي والاجتماعي الذي يعاني منه معظم الشعب اللبناني. فضلاً عن ذلك، هناك فئة مدمنة على المخدرات، ويساهم هذا الموضوع في تصاعد حالات الانتحار. وتنتشر مكاتب المقامرة الدولية في كل أنحاء العالم، وتغري اللبنانيين بأرباح طائلة، فيتورط البعض ويخسرون جنى عمرهم في ليلة واحدة، وبالتالي يجدون في الانتحار وسيلة للهروب من الواقع”.

ويوضح الأرقام على النحو الاتي: “سجلت سنة 2012: 108 حالات انتحار و65 محاولة. 2013: 111 حالة و81 محاولة. 2014: 144 حالة انتحار و104 محاولات. 2015: 138 حالة انتحار و87 محاولة. 2016: 128 حالة انتحار و100 محاولة. 2017: 143 حالة انتحار و174 محاولة. 2018: 155 حالة انتحار و208 محاولات. 2019: 170 حالة انتحار و207 محاولات. 2020: 150 حالة انتحار و171 محاولة. 2021: 145 حالة انتحار و126 محاولة. 2022: 138 حالة انتحار و96 محاولة. 2023: 170 حالة انتحار و89 محاولة، في حين سجل العام 2024 حتى شهر آب 80 حالة انتحار و55 محاولة”.

الحياة أمل!

من جانبها، تقول الاختصاصية الاجتماعية والنفسانية غنوة يونس لـ “الديار”: “يحتفل العالم في 10 ايلول من كل عام باليوم العالمي للوقاية من الانتحار، والذي يهدف إلى زيادة الوعي حول خطورة هذه القضية، والتذكير بأهمية تقديم الدعم للأفراد الذين يعانون من الأزمات النفسية والضغوط الحياتية. لذلك تعزز الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، التي يمر بها لبنان من قيمة هذه المناسبة. فقد شهدنا في الأسبوع الماضي فقط، حالتين من الانتحار المفجع، مما يُبرز الحاجة الملحة الى التحدث عن هذا الموضوع”.

ما هو الانتحار من منظور نفسي؟ تجيب “هو الفعل المتعمد لإنهاء الحياة، وغالبا ما يكون نتيجة لصراعات داخلية معقدة تشمل مشاعر الاكتئاب واليأس، والضغوط النفسية الحادة، وفقدان الأمل في تغيير الظروف. ويُعتبر من النتائج الكارثية للأمراض النفسية مثل الاكتئاب الشديد، واضطرابات القلق، واضطرابات الشخصية، وكذلك كنتيجة لتراكم مشكلات حياتية كبيرة مثل فقدان الوظيفة، أو الفقر المدقع، أو فقدان الأمل”.

الإقدام على إزهاق الروح

وتشير إلى أن “الأسباب التي قد تدفع الشخص الى التفكير في الانتحار معقدة ومتعددة، ومن المهم فهمها في سياق الظروف الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بلبنان. وتشمل:

1- الأمراض النفسية: الاكتئاب هو السبب الأكثر شيوعاً بين الحالات التي تقدم على الانتحار، كما تؤدي اضطرابات القلق واضطرابات الشخصية دورا كبيرا في زيادة الخطر.

2- الضغوط الاقتصادية والاجتماعية: تشكل الأزمات الاقتصادية الحادة، والتضخم، وفقدان العمل، وتدهور الأوضاع المعيشية محليا، عوامل خطرة على الصحة النفسية. تنتج من هذه الأوضاع مشاعر العجز واليأس، التي تُعتبر اسباب رئيسية في تفكير بعض الأشخاص بالانتحار كخيار نهائي.

3- العزلة الاجتماعية: يزيد الانعزال عن المجتمع أو العائلة أو الأصدقاء من الشعور بالوحدة ويعمق حالة الاكتئاب، مما يضاعف من خطر التفكير بالانتحار.

4- التجارب الصادمة أو التعرض للعنف: سواء كان عنفا جسدياً أو نفسياً أو اجتماعياً، فإن الخبرات المؤلمة والصدمة العاطفية، يمكن أن تدفع الشخص للبحث عن “مخرج” من الألم النفسي المستمر.

5- الوصول إلى وسائل الانتحار: توفر الطرق قد يزيد من احتمالية محاولة الانتحار، ولهذا السبب يتم التشديد على أهمية تقليل امتلاك الادوات القاتلة كجزء من الوقاية.

حقائق وأرقام

وأكدت يونس أنه “وفقًا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية (WHO) و “إمبريس لبنان” المتخصصة في الصحة النفسية، يشهد لبنان تصاعدا في حالات الانتحار في ظل تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي. في العام 2021 أشارت تقارير غير رسمية إلى ارتفاع ملحوظ في حالات الانتحار مقارنة بالسنوات السابقة، وتقدر الأرقام بحوالى حالة الى حالتين انتحار أسبوعيا. ومع ذلك، قد تكون هذه الأرقام أعلى بسبب نقص المعلومات الرسمية والتبليغ غير الكافي. للأسف، لا توجد بيانات دقيقة في هذا المجال”.

وتطرقت الى طرق الوقاية من الانتحار من خلال اعتماد الخطوات الاتية:

1- التوعية والتثقيف النفسي: يجب تكثيف حملات التوعية لفهم أعراض الاكتئاب وعلامات التفكير بالانتحار، والتشجيع على البحث عن مساعدة مهنية. يمكن أن تشمل هذه الحملات المجتمع بأسره: العائلات، المدارس، أماكن العمل، المساجد والكنائس.

2- توفير خدمات الدعم النفسي والمجتمعي: من الضروري إنشاء مراكز دعم نفسي مجانية أو بتكلفة منخفضة في مختلف المناطق اللبنانية، لتسهيل الوصول الى العلاج والدعم المهني.

3- تعزيز التواصل الاجتماعي: يمكن أن يقلل بناء شبكات دعم اجتماعية قوية من مشاعر العزلة والنبذ الاجتماعي، التي تزيد من خطر الانتحار. تؤدي المبادرات المجتمعية والتطوعية دورا هاما في تقديم الدعم للأشخاص الذين يعانون.

4- تقييد الوصول إلى وسائل الانتحار: من التدابير الوقائية الفعّالة الحد من الوصول إلى الوسائل القاتلة مثل الأدوية الخطرة والأسلحة النارية، من خلال تطبيق سياسات صارمة.

5- دعم الحكومات والمنظمات غير الحكومية: تتطلب معالجة قضية الانتحار تنسيقا فعّالًا بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية ومؤسسات الصحة النفسية، لتأمين بيئة داعمة وشاملة للأشخاص الذين يقاسون من الضغوط النفسية والاقتصادية.

6- التدخل العاجل في الأزمات: في الحالات التي يظهر فيها الشخص علامات فورية على الرغبة في الانتحار، من الضروري أن يتاح له الوصول إلى خدمات تدخل سريع ودعم نفسي، عبر الخطوط الساخنة وخدمات الاستشارات النفسية الطارئة مثل Embrace وغيرها من الجمعيات.

وتختم “الانتحار ليس حلاً، بل هو تعبير عن ألم لا يحتمله صاحبه. لبنان اليوم، في حاجة ملحة الى تنشيط جهود الوقاية من هذه المسألة، ليس فقط عبر توفير الدعم النفسي والعلاج، بل أيضا من خلال فهم أعمق للأسباب التي تدفع بعض الأفراد إلى اتخاذ هذا القرار المأسوي. تستوجب الوقاية من الانتحار تقيداً جماعيا، ويبدأ هذا الالتزام بالاستماع والادراك والتصرف، لحماية كل نفس من فقدانها. فكل حياة مهمة، وكل فرد يستحق الدعم والاهتمام. لنعمل جميعا على بناء مجتمع يشعر فيه الجميع بأنهم مرئيون ومسموعون ومحبوبون”.

ندى عبد الرزاق- الديار

Exit mobile version