كتب غاصب المختار في “اللواء”:
لم تهدأ الساحة السياسية اللبنانية بعد في التعاطي مع نتائج ما طرحته نائبة الموفد الأميركي الى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس في زيارتها الأخيرة للبنان، ولا زالت مواقفها خلال المحادثات مع المسؤولين الرسميين وفي الإعلام مدار بحث وتقييم لتحديد كيفية التعاطي معها، وسط الانقسام الداخلي بين مؤيد لطرحها في سحب سلاح المقاومة ضد الاحتلال وبين رافض لسحب أحد عناصر القوة بيد لبنان لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.
ومع ان أورتاغوس أعطت لبنان الرسمي «فترة سماح» لمعالجة مسألة السلاح وفق رؤية رئيس الجمهورية جوزاف عون، فهي لم تُحدد مهلة زمنية لمعالجة مسألة السلاح ضمن الاستراتيجية الدفاعية الوطنية وبالحوار تاركة له تحديد الوقت المناسب لطرح الموضوع. عدا عن ربطها أي دعم مالي واقتصادي واستثماري بموضوع السلاح وتحقيق الاستقرار والإصلاحات.
ولكن هناك المسألة الأهم وهي ان موفدة الإدارة الأميركية لم تعطِ أي تطمينات بوقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، بل ربطت وقفها بمعالجة مسألة السلاح واستكمال إجراءات الجيش اللبناني بزخم أكبر وتحديدا ضد حزب لله، وصولاً لاحقاً الى معالجة مسائل النقاط المحتلة في الجنوب وتحرير الأسرى والتفاوض حول تثبيت الحدود البرية. بمعنى آخر، ما زال الضوء الأخضر الأميركي مضاءً أمام إسرائيل لمواصلة عدوانها العسكري والأمني والاستخباري على لبنان، حتى يلتزم بمطالب واشنطن والكيان الإسرائيلي بنزع سلاح المقاومة والذهاب الى مفاوضات مباشرة مع هذا الكيان حول المسائل العالقة، وإن لم تتحدث أورتاغوس مباشرة عن تطبيع العلاقات، لكن مجرد فتح باب التفاوض المباشر عبر اللجان الدبلوماسية التي تطلب تشكيلها سينفتح بابٌ آخر لإستكمال التفاوض حول الأمور السياسية وصولا للتطبيع. وهنا يمكن أن تواصل الإدارة الأميركية ضغوطها السياسية على لبنان بالتوازي مع الضغوط العسكرية الإسرائيلية.
وثمة من أشار الى كلام أورتاغوس لقناة «العربية» بعد مغادرتها لبنان، وقالت فيه ما لم تقله – أو ربما قالته ولم يجرؤ أحد على إعلانه – في لبنان أمام المسؤولين، من توصيفات لحزب لله وطلب مباشر بالتخلص منه وليس من سلاحه فقط «باعتباره حسب وصفها سرطاناً يجب استئصاله إذا أراد لبنان التعافي، ويجب نزع سلاحه بالكامل، وإن الجيش اللبناني قادر بإمكاناته الحالية على نزع سلاح حزب لله»، موجهة بذلك رسائل الى المسؤولين اللبنانيين عبر القناة لفتح الدولة معركة السلاح مع الحزب، برغم معرفتها بالنتائج السلبية الكارثية على لبنان من مثل هذا التوجه السياسي الكارثي وغير الدبلوماسي. ولا سيما ان حديثها ترافق مباشرة مع تقرير لقناة «العربية» عن استخدام حزب لله لمرفأ بيروت لتهريب السلاح بحراً، ما أوحى بأن التقرير مستوحى من توجهات وكلام أورتاغوس.
كل مؤشرات مواقف أورتاغوس الواضحة تدلّ انها تتكلم بلغتين وبوجهين، وجه لبناني في بيروت هادىء ولكن حاسم وتحت التهديد المبطّن في تحديد ما تريد ولو بطريقة ألطف من السابق حول موضوعي السلاح والإصلاحات. ووجه إسرائيلي في تل أبيب جازم وصريح بتبنّي كل ما يطرحه الكيان الإسرائيلي حتى في ما تعتبره الإدارة الأميركية «حقّه» في استخدام القوة والعدوان، من دون السماح للبنان بإستخدام حقّه بمواجهة أي اعتداء إسرائيلي ولو كان بسيطاً. ومع ذلك، سيستفيد لبنان من «فترة السماح» الأميركية هذه لترتيب وضعه الداخلي عبر الحوار مع حزب لله حول مصير السلاح وسبل الدفاع عن لبنان، عبر آلية الحوار الرئاسية التي جرى الكلام عنها.
لكن الكل يعلم ان الاستراتيجية الوطنية للدفاع ستبقى حبرا على ورق ما لم تؤيدها الإدارة الأميركية بما يكفل للبنان حق الدفاع عن أرضه وسيادته، وبالتأكيد لن تقبل الإدارة الأميركية أن تتضمن هذه الاستراتيجية الدفاعية أي بند يمكن أن يُهدّد أمن الكيان الإسرائيلي ولو برصاصة، فكيف إذا تضمنت بنودا بحق لبنان بإستخدام أي سلاح مناسب لصد أي عدوان؟ وهل ستسمح للبنان مثلاً الرد بقذيفة مدفعية أو دبابة ضد جيش الاحتلال إذا أمعن في قصف القرى الجنوبية الحدودية؟ ومن سيؤمّن للبنان وجيشه الحماية من الغارات والسلاح الدفاعي اللازم لمواجهة أي اعتداء مستقبلاً بظل الحجر الأميركي والدولي على تسليح الجيش بالأسلحة الفعّالة والمؤثرة وحصر المساعدات العسكرية الأميركية والغربية للجيش بمعدات وآليات قديمة وبعض الذخائر، واقتصار الدعم على ما يؤمّن الأمن الداخلي أكثر من أمن الحدود وأهلها؟ والأهم أيضاً هل تضغط الإدارة الأميركية بما يكفي على كيان الاحتلال ليوقف منع استكمال الجيش اللبناني انتشاره في الجنوب ووضع العوائق والحواجز أمام دخوله أي بلدة جنوبية، ومنع الأهالي من العودة الكاملة الى قراهم وترميم ما أمكن للبقاء فيها، أم ان المطلوب تلبية هدف الاحتلال بجعل المنطقة الحدودية منطقة عازلة أمنية لا حياة فيها كما يحصل يومياً بقصف أي وسيلة أهلية لمواصلة الحياة؟