غزّة تستكمل حرب التحرير الثانية بالسيطرة على المستوطنات الصهيونيّةنموذج المقاومة في لبنان يتمدد بوجه اتفاقات “السلام والتطبيع”
كمال ذبيان _ الديار قبل خمسين عاما، وفي مثل هذا التاريخ (7 تشرن الاول) او قبله بيوم كانت حرب تشرين في العام 1973 التي خاضها الجيشان المصري والسوري في عملية عسكرية مشتركة فاقتحم الجيش المصري “خط بارليف” المحصن وتقدم الجيش السوري باتجاه القنيطرة التي حررها وكاد ان يصل الى بحيرة طبريا في وقت كان الجيش المصري يقترب من تحرير سيناء فكانت الحرب مباغتة للكيان الصهيوني ولم يكن يتوقع حصولها وان يقوم تنسيق بين جيشين عربيين وكان متوقعا ان يكون الجيش الاردني ثالثهما بحيث تشترك جيوش الدول الثلاث في تحرير اراض احتلتها “اسرائيل” في حرب 5 حزيران 1967 وتسبب بنكسة عسكرية وسياسية وهزيمة للانظمة العربية.واعتبرت حرب تشرين رد اعتبار للجندي العربي الذي سجل اروع البطولات في مرتفعات جبل الشيخ السورية وفي صحراء سيناء لكن الولايات المتحدة سارعت الى نجدة اسرائيل التي استغاثت رئيسة حكومتها غولدا مئير بالبيت الابيض “واللوبي الصهيوني” في الادارة الاميركية لانقاذ “الدولة العبرية” التي كانت تحتفل بعيد أو يوم “الغفران” وهذا ما ادى الى تراجع الجيش المصري الذي تواطأ رئيس النظام المصري انور السادات مع اميركا لوقف الحرب وتحريك عملية سلام مع “اسرائيل” فسميت الحرب “بالتحريك وليس بالتحرير” وبقي الجيش السوري في حرب استنزاف وحيدا.هذه الحرب شكلت نكسة لـ “اسرائيل” منذ ولادة كيانها الغاصب وهو ما صدر في كتب عديدة تحدثت عن الحرب وكان اخرها ما كشفه وزير الخارجية الاميركية الاسبق هنري كيسنجر مؤخرا قبل نحو شهر عن الدور الاميركي في اخراج “اسرائيل” من هزيمتها وجاءت النتيجة لمصلحتها سياسيا في الوصول الى اتفاق الكيلومتر اولا بين الجيشين المصري والاسرائيلي وادى بعد خمس سنوات الى اتفاق “كامب ديفيد” الذي اقام سلاما بين النظام المصري والكيان الصهيوني في اذار من العام 1978 بعد زيارة السادات تل ابيب 1977.فما حصل في حرب تشرين كان اول اهتزاز اصاب الجندي الاسرائيلي بعد اغتصاب فلسطين في العام 1948 والتي سميت نكبة للجيوش وانظمتها العربية فحصلت النكسة في حزيران 1967، لكن ظهور المقاومة الفلسطينية غيّر في شكل المعركة مع العدو الاسرائيلي الذي تمكن من ان يلوي ذراع هذه المقاومة باخراج فصائلها المقاتلة من بيروت اثر غزو لبنان في صيف 1982 ورأى العدو انه حقق انتصارا على الجيوش العربية كما على المقاومة وأن الانظمة العربية ستتقدم الواحد تلو الاخر لتوقيع معاهدات سلام والتطيبع معه، فكان اتفاق اوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات ورئيس حكومة العدو الاسرائيلي اسحق رابين برعاية الرئيس الاميركي جيمي كارتر.هذا السلام مع العدو الاسرائيلي، وكان لبنان من ضمنه، لم يمنع ظهور المقاومة الوطنية اللبنانية التي فرضت على الاحتلال الاسرائيلي ان يخرج تدريجيا من لبنان فبدأ من العاصمة بيروت التي اشتعلت بعمليات المقاومة الى ان حصل التحرير في 25 ايار 2000 واسقطت المقاومة اتفاقية 17 ايار التي وقعها الحكم الكتائبي برئاسة امين الجميل مع العدو الاسرائيلي عام 1984 وانهار الزمن الصهيوني في لبنان ومعه مشاريعه التقسيمية والتوطينية للفلسطينيين، وفق ما يعرض احد قادة العمل الوطني الذي يشير الى ان نموذج لبنان المقاوم هو الذي يتقدم على انظمة الاستسلام والتطبيع وهذا ما افرزته المقاومة في لبنان وكان اخر من قادها “حزب الله” والتي تأسست مع احزاب قومية ووطنية من ابرزها القومي الاجتماعي والشيوعي والبعث و”المرابطون”.وما يجري في غزة والضفة الغربية والاراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948 تأكيد على ان المقاومة هي النموذج وليس اتفاق اوسلو الذي لم يعط للفلسطينيين حقوقهم، وهذا ما عزز العودة الى الكفاح المسلح بعد ان قام الفلسطينيون بانتفاضات سلمية ثم بالحجارة والسكاكين والعبوات الناسفة والاشتباكات المباشرة، مما زاد من حضور فصائل لم تكن معلومة، فظهر “عرين الاسود” وتحركت المقاومة في الضفة الغربية بعد ان اظهرت فعاليتها في غزة التي تحررت في العام 2004 وفكك وزير الدفاع الاسبق ارييل شارون 21 مستوطنة، بما يسمى فضاء غزة، مما افسح المجال للمقاومة ان تؤسس لبنى تحتية لها فاقامت مصانع للاسلحة والذخيرة فطورت صواريخ وقاذفات صاروخية وخاضت معارك ضد العدو الاسرائيلي منذ العام 2008 ولم يمر عام الا وحصل عدوان صهيوني على غزة، فكانت المقاومة ترد عليه بالاسلحة المناسبة فوصلت صواريخها الى عمق الكيان الصهيوني لا سيما تل ابيب.وما قامت به حركة “حماس” وذراعها العسكرية “كتائب الاقصى” من عملية خرق عسكري عند الجدار الفاصل مع المستوطنات لا سيما “سيديروت” وصفه خبير عسكري بانه تطور ميداني بنقل المعركة الى داخل المستوطنات والمراكز العسكرية الاسرائيلية حيث ظهرت هشاشة الجيش الاسرائيلي الذي بدأ يتآكل في ظل الازمات الداخلية في الدولة العبرية التي تشهد حركة احتجاجات، ومنها عدم الخدمة العسكرية، فاستغلت المقاومة لحظة الضعف لدى العدو ونفذت عمليتها العسكرية تحت مسميات عديدة، منها تحرير الاسرى ووقف العدوان على المسجد الاقصى وفك الحصار عن غزة، لكن العنوان الابرز الذي جاء على لسان قادة حماس التي فتحت المعركة بان “حرب التحرير الشعبية” بدأت من خلال السيطرة على عدد من المستوطنات واسر مستوطنين فاق عددهم الـ 35 وتدمير آليات عسكرية مختلفة واقتحام مراكز عسكرية كان في بعضها الجنود نيام لان العملية التي سميت بـ “طوفان الاقصى” خطط لها ان تحصل السبت وهو يوم عطلة عند اليهود ويتم الدخول الى المستوطنات، مما يعرقل عمل قوات الاحتلال الاسرائيلي حيث يؤكد الخبير العسكري ان العملية ناجحة وان المقاومين مطمئنون الى ان “وحدة الساحات” ستكون مشاركة في اي حرب يحاول العدو ان يوسعها حيث تنتظره جبهات من لبنان وسوريا وقد تصل الى ايران، اضافة الى تحريك مجموعات للمقاومة داخل الضفة الغربية، مما يربك قادة العدو ويحاصر اي تحرك عسكري واسع ليست “اسرائيل” مستعدة له وفق الخبير الذي يرى أن “الجسر الجوي” الذي اقامته اميركا مع “اسرائيل” لاخراجها من ورطتها في حرب تشرين لن تتمكن ان تفصله لان المعارك بين الجيوش تختلف عن “حرب العصابات” التي اشتهر فيها الفيتناميون ضد القوات الاميركية وان “حماس” ومعها فصائل فلسطينية اخرى انخرطت في المعركة تخوض حرب تحرير ووجود لن تتوافر لدى الصهاينة الذين يعيشون زمن نهاية كيانهم.