غزة.. قطعة من الأرض بمكانة السماء
كتب مبارك بيضون
بعد 147 يومًا من الحرب الغوغائية الشرسة التي تمارسها الإدارة الامريكية على قطعة من أرض فلسطين المحتلة احتلت مكانتها في السماء، دون هوادة أو معايير دولية لما يقوم به جيش العدو الاسرائيلي من إبادة جماعية وصل بها عدد الشهداء الى أكثر من ثلاثين ألفًا.
كل ما نراه منذ بداية الحرب من مفاوضات غير مباشرة لا تعني أهل الدار ممن يدافعون عن أرضهم وشعبهم، دون ذلك يطل بعض العرب من نوافذ مختلفة تحاكي من يعنيهم الأمر لترشد بذلك جيشًا عدوانيًا يضرب و ينتهك كل الحرمات الدولية، وكأن الناظر إلى ما تشهده غزة هو الدليل للسياحة الحربية يتمشى ويسرح ويمرح جيش اعتاد على الإجرام والانتهاكات بمراحل مختلفة كانت بدايتها حربًا اسرائيلية عربية في مواجهة جيش جاء من الشتات، لتصبح بعد برهة من الزمن، جيوش تنظر بأم العين الى جيش كان عدوًا في السابق فأصبح حليف المرحلة المستجدة برعاية امريكية بين العرب المطبعين ودولة الكيان الصهيوني.
وفي المعلومات المتوفرة مما يجري في المرحلة الانية وحسب ما كشفته بعض وسائل الإعلام والتقارير لبعض المنسقين الأمميين، بأن كل ما يجري من مفاوضات واتفاقات على هدنة قد يستفيد منها أهل غزة المحاصرين من الشمال الى الجنوب مرورا بالوسط، ما هي إلا توجه لمحاولة إخراج الشعب الغزاوي من دوائر الصراع أو الجبهات المتنقلة، والتي قد تريح حركة الجيش الإسرائيلي في تنقلاته التي ترتبط في الميدان حول معرفة مكان تواجد الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، من خلال عملية الاستقصاء للبيئة الشعبية الحاضنة للمقاومة والضغط عليها علها تتوصل الى مكان هؤلاء الأسرى، مقابل معادلة المعلومات مقابل الغذاء.
وضمن المعايير نفسها يحاولون إيجاد خطة ترمي الى حشر من تبقى في الساحات والمدن التي مازالت قائمة وقبل أن تتحول الى أرض محروقة ومكشوفة لغاية الاستفراد بالمقاومة، وبهدف سلخ التماسك بين الغزاويين ومقاتلي حماس.
أما في السياسة، يسعى نتنياهو الى ابقاء المعركة مشتعلة معتبرًا أن الأهداف التي شنت من أجلها لم تتحقق بعد، وأن المعترضين على سياسات الحكومة الحالية أصبحوا يشكلون ضغطا في الشارع الاسرائيلي يزيد في الانقسامات الموجودة أصلا على مفاهيم عقائدية داخل الحكومة منذ ما قبل السابع من أكتوبر، وهي مستمرة ليضاف اليها نزاعات جديدة عبر تحميل مسؤولية الحرب لنتنياهو وقائد الأركان الذي فشل بكشف ما جرى يومها، وأنه كان من الممكن أن يكون لديه خطة استباقية تكشف ما حصل وتنذر المستوطنين قبل وقوعهم في الأسر، ناهيك عن الخرق الأمني الذي أدى الى زعزعة الثقة في قيادة الجيش، خاصة مع ما حصل مؤخرا بإخراج المستوطنين عنوة من القصف، وإدخال مستوطنات جديدة في دائرة الاستهداف.
في المحصلة لا مفاوضات لأي محادثات تجري بعيدة عن أرض الواقع لا سيما التي تبتعد عن الواقعية بما تراه المقاومة الفلسطينية في الداخل، إذ لن تجدي نفعًا أي مفاوضات مع التعنت الاسرائيلي، الذي يحاول كسب الوقت لإنهيار الشعب الغزاوي بالكامل من خلال سياسة التجويع الكاملة ظنًا منه أنه الطريق المتبقي لاستسلام المقاومة، عدا ذلك لا ترى الاوساط المقربة من المقاومة الفلسطينية أي تقدم باتجاه الحلول إلا بشروط المقاومة، وحتى حينه العين على جبهة الشمال في جنوب لبنان التي أصبحت المرتكز الأساسي فيما يجري عسكريًا مع تقدم حجم القوة والأعيرة الثقيلة والنوعية التي تستعملها المقاومة، وهو عامل جديد دخل الميدان الحربي ليشكل إطارًا لم تعده دولة الكيان، كما جرى في جبهة اليمن التي تحاكي هي الاخرى ميدانًا لحرب توسعية بما لها من خطوط اقليمية في المنطقة وأثر سلبي على التجارة العالمية وانعكاسها على الاقتصاد العالمي.