كتب مبارك بيضون
كذب ونفاق مع بداية شهر رمضان المبارك، حيث لم تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية عن استهداف كل شيء في قطاع غزة المحاصر، مع ما تبعها من جبهات مساندة للقضية المركزية للأمة، لتكون سيناريو مصغر عن حرب كبرى سيبدأ محور المقاومة بالاستعداد لها واستخلاص الدروس والعبر منها في الساعة التالية لوقف الإبادة الجماعية الحاصلة في القطاع.
وفي خضم المعارك العسكرية المتنقلة بين شمال القطاع وجنوبه مرورًا بوسطه، إضافة إلى اليمن ولبنان والعراق، تدور رحى معركة المفاوضات في أروقة القاهرة والدوحة، حيث أمسكت حركة حماس التفاوض عن كل فلسطين بل محور المقاومة بأجمعه، لتكون محاولات أمريكية إسرائيلية للاستفراد بالحركة، لذلك جاء كلام الأمين العام عن تفويض المحور لحركة حماس بقيادة المفاوضات على أن تكون هي الوحيدة التي تملي شروطًا بما يتناسب مع الميدان، مضيفًا أن الحركة لها الحق أيضًا بأن تكون هي الممثل الوحيد في المفاوضات عن كل قادة المحور، ولذلك دلالات على التماسك لكل الفصائل الفلسطينية بالتزامن مع قزى المحور التي أصبحت تمثل حزامًا أمنيًا يضرب على فلسطين المحتلة.
وفي هذا ألإطار أشار مصدر متابع إلى أن الكيان الإسرائيلي يحاول تمرير الوقت لإنهاء شهر رمضان، وذلك لسببين، الأول هو عدم إثارة حفيظة المسلمين حول العالم من خلال انتشار مشاهد جديدة لمجازر سوف تقع عند اجتياح رفح البري، مما يضع معظم حلفاء الكيان في ورطة أمام المجتمعات الإسلامية في الغرب، فضلًا عن تهديد حقيقي قد تشهده حفلات التطبيع التي تحاول الإدارة الأمريكية إعادة تفعيلها قبيل الانتخابات الرئاسية، وذلك من باب المملكة العربية السعودية الرافضة للتطبيع في ظل الاحتلال، أما السبب الثاني يعود لمرحلة إعادة التذخير وشد الصفوف وإعادة نشر القوات مع ما فرضته المعركة على أرض الواقع، حيث سنشهد تموضعات جديدة للاحتلال في قطاع غزة في ظل المفاوضات.
وفي ظل هذه المفاوضات يبرز التعنت الإسرائيلي، وموقف رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو الداعي الأكبر لعدم وقف العدوان كي لا تطال سيوف المحاكمات رقبته، فتكون تسوية كهذه دون اي صورة نصر، كالمسمار الأخير في نعشه السياسي بل في نعش حزب الليكود برمته. حيث أن كلما امتدت الأيام والأشهر كلما ازداد ارباك حكومة إسرائيل، وزادت معها التباينات الفضفاضة التي قد تشعل حربًا أهلية بين مكونات المجتمع الاحتلالي، ولا سيما الحركة الصهيونية العائدة للحراديم التي تعتبر أنها الدافع الروحي والعقائدي الوحيد الذي كان من الممكن التعويل عليه لشد العصب داخل المجتمع المنحل أصلًا على نفسه، والمتمثل بالخلافات بين أركان الحكومة والأحزاب اليمينية المتطرفة، وهي ظاهرة تعود لما قبل السابع من أكتوبر.
وما بين الأخذ والرد في المفاوضات غير المباشرة تحاول إسرائيل بدعم أمريكي وصمت مصري وقطري أن تشق صف حماس، لتكون حماس الداخل بقيادة محمد الضيف ويحيى السنوار ومروان عيسى إلى جانب نخبة من قيادات القسام، بمقابل حماس الخارج المتمثلة برئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، وذلك عبر عملية زرع الاختلاف لإظهار الحركة أنها منقسمة على نفسها، إلا أن قيادة حماس تنبهت للمكيدة الإسرائيلية وتركت المفاوضات لأهل الميدان والأرض، فمقاتلي غزة أدرى بشعابها.
في المحصلة تبدو حماس في مرحلة حصد الانتصارات خاصة مع ما تفعله حكومة تل أبيب، ناهيك عن الخطأ القاتل الذي ارتكبه الرئيس محمود عباس من خلال تشكيل حكومة جديدة في ظل الحرب، لم تراعي التمثيل الفلسطيني الحقيقي، ولم يكن له أي دور في إنهاء الحرب عن شعبه المحاصر في قطاع غزة.