كتب حسن حردان في “البناء”:
إنّ ما يحصل هذه الأيام من حرب عصابات تشنها المقاومة الفلسطينية ضد جيش الاحتلال على نحو لم يشهده في مراحل الصراع السابقة، وتفجّر الصراعات والانقسامات داخل كيان العدو، يؤكد انّ المقاومة نجحت في تحقيق هدفين مهمين:
الهدف الأول، كسر شوكة جيش الاحتلال الصهيوني وتحطيم غطرسته وإذلال قواته وإغراقها في حرب من الاستنزاف عالية الوتيرة والكلفة..
الهدف الثاني، إحداث تحوّل نوعي في الصراع العربي ـ الصهيوني انقلب فيه المشهد كلياً، حيث أصبحت المقاومة هي من يملك زمام المبادرة والتحكم بمجريات المعركة في الميدان، وجيش العدو في حالة ردّ الفعل يعاني من التردّد والارتباك، والعجز عن تحقيق النصر، وذلك نتيجة غرق جيش الاحتلال في مأزق الفشل المتواصل في غزة، يغوص في رمالها المتحركة التي استدرجته اليها المقاومة، وأوقعت قواته في الكمائن والفخاخ التي أعدّتها، على غرار ما حصل في تل السلطان ومخيم الشابورة في رفح، الأمر الذي اعترف به قائد لواء ناحال، مما جعل جيش الاحتلال يتخبط في مستنقع من الاستنزاف، إذا عمد إلى الخروج منه دون تحقيق أهدافه يعني الهزيمة وانتصار المقاومة، وإذا بقي فإنه يغرق أكثر فأكثر في حرب استنزاف لا نهاية لها ستقوده إلى هزيمة مضاعفة وأكثر إيلاماً للكيان، حيث أدّى الفشل في الحرب إلى تصدّع الإجماع الصهيوني حول الحرب، وتفشي الإنقسامات واحتدام الخلافات بين الجيش والحكومة من جهة، وبين أطراف الحكومة من جهة ثانية، وبين المعارضة والحكومة من جهة ثالثة، وتصاعد التظاهرات في الشارع من جهة رابعة.. على ازدياد نزف قوات الاحتلال في رفح أدّى إلى تظهير الخلاف بين الجيش والحكومة إلى العلن، حيث أعلن المتحدث العسكري الإسرائيلي دانيال هغاري، «إنّ تدمير حماس ذر الرماد في عيون الإسرائيليين، وطالما لا يوجد بديل لدى الحكومة، فإنّ حماس ستبقى…»
إنّ هذا الكلام يدلل على ما يلي:
1 ـ احتدام الصراع بين الجيش ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يريد من الجيش تحقيق أهداف مستحيلة، لمواصلة الحرب خدمة لمصالحه الشخصية على حساب حياة الضباط والجنود الذين تحوّلوا إلى شخوص في حقل رماية تصطادهم المقاومة يومياً…
2 ـ تأكيد انّ الجيش وصل إلى طريق مسدود في السعي إلى تحقيق أهداف الحرب، ولم يعد هناك من مبرّر لاستمرار بقائه في وحل غزة يواجه حرب عصابات لا يقوى على خوضها.
3 ـ ممارسة الضغط على نتنياهو لإعلان النصر ووقف الحرب وإخراج الجيش من مستنقع غزة والمراوحة في المكان، خصوصاً بعد اجتياح رفح ولم يصل لا الى الأسرى ولا إلى قيادات المقاومة.. وتكرّس القناعة لدى قيادة الجيش باستحالة استعادة الأسرى الصهاينة بالوسائل العسكرية، والحاجة إلى اتفاق مع حركة حماس لتحقيق ذلك وهو ما يعني قبول شرطها لتبادل الأسرى، وهو وقف دائم للنار وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة..
4 ـ انّ الخلاف بين الجيش ونتنياهو يحصل لأول مرة في تاريخ الكيان والصراع العربي الإسرائيلي، وهو امر ما كان ليحصل لو لم يفشل جيش الاحتلال في تحقيق النصر بعد تسعة أشهر من شن الحرب على قطاع غزة في أطول حرب يخوضها في تاريخه، ما يشكل تحوّلاً يعكس تطور قدرات المقاومة في خوض حرب العصابات والمدن، وبناء استراتيجية تقوم على توفير البنية العسكرية القادرة على خوض حرب استنزاف طويلة الأمد وتحمل اكلافها في مواجهة جيش يعتبر من الجيوش القوية في العالم..
5 ـ انّ جيش الاحتلال عندما يصل إلى مرحلة الاشتباك علناً مع قيادته السياسية، فإنّ ذلك يؤشر إلى أنه وصل إلى حدّ لم يعد يستطيع تحمّل كلفة حرب الاستنزاف التي يتعرّض لها، خصوصاً مع تواتر تصريحات قياداته العسكرية التي تحذر من مخاطر ذلك على معنويات الضباط والجنود..
6 ـ انّ جيش الاحتلال يعترف لأول مرة بعدم قدرته على تحقيق النصر على المقاومة وانه يلحّ على قيادته لإنقاذه من الغرق أكثر في رمال غزة.. الأمر الذي يؤكد على نجاح المقاومة في تحقيق أهدافها من استدراج جيش الاحتلال إلى مستنقع الاستنزاف وتكبيده الخسائر الفادحة التي أوصلته إلى مرحلة الإقرار بالفشل وعدم القدرة على الاستمرار في البقاء في قلب هذا المستنقع.. وهو ما دفع القائد السابق لفرقة غزة في جيش الاحتلال إلى القول إنّ «بقاء نتنياهو في السلطة دون وقف الحرب سيؤدّي إلى انهيار استراتيجي».. وهذا يؤشر إلى اقتراب اللحظة التي سيجبر فيها قادة العدو على الرضوخ لشروط المقاومة لتبادل الأسرى، وبالتالي التسليم بفشل حربهم في غزة وما يعنيه ذلك من إقرار بالهزيمة أمام المقاومة…