لا تغيب أزمة النفايات حتى تعود مجدّداً. فمنذ عام تقريباً، تسير العلاقة بين البلديات والشركات المكلّفة بكنس النفايات وجمعها ورفعها بـ”تبويس اللحى”. مع ذلك، تأخذ الأزمة مداها في الغالب مطلع كل شهر، إذ تتجدّد مشكلة تحصيل الشركات لمستحقاتها العالقة لدى الدولة وتأمين السيولة تالياً لدفع رواتب الموظفين
اليوم، يحل الأول من نيسان. أقوى الاحتمالات أن يتوقف العمال لدى شركتَي “رامكو” (تعمل في نطاق بيروت الإدارية والمتن وكسروان) و”سيتي بلو” (تتولى الأعمال في أقضية بعبدا وعاليه والشوف) عن العمل بسبب تبلّغهم من إدارتَي الشركتين عدم توفّر السيولة لدفع رواتبهم. ومن المتوقع أن يصبح الأول من كلّ شهر موعداً ثابتاً للتعطيل، فلا الدولة قادرة على الإيفاء بالتزاماتها في الوقت المحدّد، بسبب الإجراءات البيروقراطية، ولا الشركتان اليوم ـــ بحسب تأكيد إدارتيْهما ـــ قادرتان على تأمين السيولة مع السقوف التي تضعها المصارف شهرياً للسحوبات.
وعود من سلامة
ولئن كان محافظ مدينة بيروت، القاضي مروان عبود، يبدو أكثر تفاؤلاً، مستنداً إلى لقائه أمس بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووعد الأخير له “بتسهيل الأمور أكثر، على الأقلّ في ما يخص مدينة بيروت” ومتوقّعاً أن “يقبضوا بغضون أربعة أيام”، إلا أن هذا التفاؤل لا ينسحب على الشركتين. يستند أصحابهما إلى تجارب سابقة مع الدولة ومصرف لبنان تجعل “من المستحيل حلّ الأزمة بالوعود”، يقول ميلاد معوض، رئيس مجلس إدارة شركة “سيتي بلو”. أقرب تلك التجارب ما حصل قبل شهرين، عندما وعد الوزراء المعنيون، وخصوصاً وزير المال، ومصرف لبنان “بإيجاد مخارج للأزمة، وجرى التوافق حينها على أن يقوم مصرف لبنان بإعطاء كوتا إضافية للمصارف التي نتعامل معها لرفع قيمة السحوبات وتسهيل تسييل الشيكات التي يعطينا إياها المصرف المركزي نفسه”. وكان الوعد أن يتم ذلك قبل الشهر الماضي، إلا أن شيئاً لم يحدث، حيث كان الجواب من المعنيين بأن “امسحوها بهالدقن وصرفوا انتو بالسوق هالمرة”. وبسبب هذا الأمر، تأخر صرف الرواتب للعمال حتى منتصف الشهر، مع “أخذ ضمانة بالمقابل بتنفيذ ما اتُّفق عليه قبل حلول الشهر الحالي”، يضيف معوض، وهو ما لم يحدث اليوم أيضاً، و”لا جواب حتى اللحظة الراهنة من أحد”.
الأزمة نفسها يعيشها عمال شركة “رامكو”. وفي هذا السياق، يبدو وليد بو سعد، رئيس مجلس إدارة الشركة، أكثر قلقاً مما تحمله الأيام المقبلة، خصوصاً أن “الأزمة من سيّئ إلى أسوأ”. أكثر ما يؤرق الأخير هو الوصول إلى آخر الشهر من دون أن “تكون في أيدينا السيولة لندفع الرواتب”.
بطء الإجراءات
بالنسبة إلى بو سعد، كما معوض، الأزمة لم تعد في الخسائر “التي نحملها بسبب فروقات السعر بين التكاليف التشغيلية التي باتت في معظمها مدولرة وبين ما نتقاضاه من الدولة باللولار”، وإنما في الشقين الآخرين المتعلقين ببطء إجراءات وزارة المالية ومصرف لبنان لتحويل المستحقات إلى الشركتين وفي تسييل الشيكات التي تحصلان عليها في مصرف لبنان.
في الشق الأول، للشركتين في ذمة الدولة ما يقرب من رواتب 6 أشهر لم تحصلا عليها بسبب الإجراءات البيروقراطية “خصوصاً أن المعاملة تنام أحياناً”، بحسب بو سعد. مع ذلك، بدأت “تتحلحل الأمور أخيراً، حيث أحالت وزارة المال مجموعة من المراسيم إلى مصرف لبنان وهي اليوم في عهدة الأخير”. أما في الشق الثاني، فثمة “كارثة مزدوجة”، في رأي بو سعد: الأولى تتعلق بسقف السحوبات من المصارف، والتي يبلغ أقصاها شهرياً 10 ملايين ليرة “في الوقت الذي أحتاج فيه إلى 4 مليارات لتسديد رواتب العمال فقط والبالغ عددهم في الشركة 800 عامل”. أضف إلى ذلك “المشكلة في فتح الحسابات في المصارف بالليرة اللبنانية للعمال، والمشكلة في التحويل أيضاً لمن يملكون الحسابات، فلأن الشيك باللولار فإن التحويل إلى الحسابات اللبنانية تُفرض عليه عمولة بنسبة 30%”. هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى، فإن تسييل شيكات اللولار إلى ليرة دونه خسائر كبيرة اليوم في السوق، إذ “إننا نخسر بالشيك ما يقرب من 30 إلى 40% من قيمته وأحياناً أكثر”. أضف إلى ذلك أن “أحداً لم يعد يقرضنا لندفع، كما أنه لم يعد بإمكاننا تسييل الشيكات اليوم بسبب امتناع الصرّافين عن تزويدنا بالعملة”، يقول بو سعد.
لكل هذه الأسباب، لا يمكن تقديم الحلول بالمفرّق. ولذلك، ثمّة خيارات ثلاثة يطرحها المسؤولون في شركتَي “رامكو” و”سيتي بلو”، والتي يختصرها معوّض بالتالي: إما أن “يبيعنا مصرف لبنان ما نحتاج إليه لقاء شيكات اللولار على أساس السعر الذي يضعه، أي 8 آلاف ليرة، أو أي سعر آخر يرتئيه، وإما أن يرفع الكوتا بالليرة اللبنانية للمصارف التي نتعامل معها لكي نستطيع السحب بمبالغ أكبر، وإما أن تقوم المصارف نفسها بتصريف الشيكات مباشرة”. ما عدا تلك الحلول المؤقتة، ستبقى “الانتفاضة” عامرة في البلاد. هذا ما تحسمه إدارتا الشركتيْن.