الاخبار الرئيسيةالصحافة اليوممقالات

عيترون «أمّ المزارعين» تدفع ثمن التحرير مجدداً

عيترون «أمّ المزارعين» تدفع ثمن التحرير مجدداً

كتب داني الأمين في “الأخبار”:

أخيراً، نجح أبناء عيترون في العودة إلى بلدتهم. أمس، فرضوا دخولهم بالقوة، فقد «صمّمنا على الدخول منذ اليوم الأول لانتهاء مهلة الـ 60 يوماً، وقدّمنا مزيداً من الشهداء لأجل ذلك. نمنا أياماً على مدخل البلدة وأثبتنا للجميع أن البلدة لا يحرّرها إلا أبناؤها»، يقول ابن البلدة أحمد حيدر.

حوالي العاشرة صباحاً، سُمح لأبناء عيترون بالدخول. العشرات سبقوا الجرافات سيراً على الأقدام، فدخلوا البلدة وجالوا في أحيائها قبل أن تبدأ عشرات السيارات بالدخول. «المشهد يذكّر بيوم التحرير»، يقول المختار حسن قوصان، مؤكداً أن «الفرحة كبيرة رغم الدمار الهائل الذي تضاعف منذ وقف إطلاق النار. طوال شهرين دمّر العدو معظم المنازل، وما بقي صالحاً للسكن لا يزيد على 100 منزل من أصل حوالي 4000 منزل».

في عيترون التي قدّمت 122 شهيداً في الحرب الأخيرة، يعمل أبناؤها على انتشال جثامين عشرات الشهداء، فيما تسعى البلدية الى إزالة الركام وتأمين الخدمات الأساسية لتسهيل دخول الأهالي وإقامة من يستطيع السكن.
فصول الحرب على البلدة الحدودية بدأت منذ الانتداب الفرنسي – الإنكليزي الذي قضم مئات الدونمات من أراضيها الزراعية. فهي تجاور بلدة المالكية شرقاً، وعلى بعد أمتار من موقع المالكية العسكري، الذي شيّد على أرض يملكها أبناء البلدة، كما يشير أحد أحفاد أصحاب الأرض، المدرّس المتقاعد حسن مراد.

وأوضح أن «الانتداب الفرنسي ضمّ آلاف الأمتار من أراضي عيترون لمصلحة الانتداب الإنكليزي بغية ضمّها لإسرائيل لاحقاً، من بينها أراضٍ في خلّة الغميقة، الشقة، دير حبيب، والقسيس». تطلّ على عيترون ثكنة «يفتاح» الإسرائيلية في بلدة قدس من جهة بليدا، فيما تطلّ البلدة على سهل الحولة، ومن جهة مارون الرّاس على مستعمرة أفيفيم وموقعَي ديشون وجلّ الدير العسكريّين. ويقول مراد إن «كبار السنّ في عيترون يذكرون أيام النزوح الأول عام 1948، عندما ارتكب العدوّ مجزرة في بلدة صلحا المحتلة وهجّر مئات الأهالي الى المنطقة ومنها الى مناطق قريبة أخرى، وبعد أحداث معركة المالكية (1949) التي شارك فيها مقاومون من عيترون، تهجّر العشرات من الأهالي الى البلدات المجاورة مثل شقرا وبرعشيت وحداثا، وهي البلدات نفسها التي نزحوا إليها اليوم». في 17 أيار 1975، ارتكب العدوّ مجزرة في البلدة راح ضحيتها 9 أطفال، وفي 1978 تعرّضت البلدة لاعتداءات متكررة، وتصدّى أبناؤها لمحاولة جيش العدو دخولها ما أدّى الى استشهاد يوسف عياد، ونزوح المئات من الأهالي الذين هاجر عدد منهم الى خارج لبنان. وفي حرب تموز 2006، فقدت البلدة 54 شهيداً، من بينهم 13 مقاوماً و21 مدنياً في مجزرتين على منزلين لآل الأخرس وآل عواضة، ولم يتمكن العدوّ من دخول أحياء البلدة.

إصرار على البناء والسكن
يقول رئيس البلدية سليم مراد إن أكثر من 9000 شخص كانوا يقيمون بشكل دائم في عيترون قبل الحرب الأخيرة، يعمل معظمهم في الزراعة والتعليم والطبابة، من أصل 21 ألفاً، بعدما هاجر عدد كبير منهم، ولا سيما الى أستراليا وكندا بسبب الحروب الإسرائيلية.

بعد حرب تموز 2006، تضاعف عدد الأبنية السكنية في عيترون ليصل الى حوالي 1000، واتصل بعضها للمرّة الأولى بالحدود مع فلسطين، كما انتشرت المحال التجارية ومعامل الحجارة، والرخام، والألبان والأجبان، ومحالّ التموين الكبيرة، وارتفع عدد المزارعين ومربي الأبقار والمواشي والدجاج.

يلفت مراد إلى أن «النسبة الكبرى من التدمير الذي لحق بالبلدة وقعت بعد وقف إطلاق النار، ولحقت الأضرار بكل ما بقي من منازل ومحال تجارية، وخسر المزارعون مواسمهم بعدما اضطرّوا إلى ترك البلدة التي تنتج سنوياً ما يزيد على 16000 طرد من التبغ (الطرد يعادل 25 كلغ). كذلك أدى القصف الى تدمير البنى التحتية والبرك الزراعية واحتراق مئات الأشجار، فضلاً عن خسائر كبيرة بسبب نفوق الدواجن والأبقار والمواشي والنحل، وتوقف معملَي الألبان والأجبان، وتدمير عشرات المحالّ التجارية، من بينها ثمانية محالّ كبرى لبيع المواد الغذائية».

يقول المزارع علي مصطفى إنه كان ينتج سنوياً «حوالي 2000 كلغ من التبغ، إضافة الى الحبوب والزيتون»، لافتاً الى أن في البلدة أكثر من 800 أسرة تعتمد على الزراعة خسرت مواسمها، وخصوصاً أشجار الزيتون في خراج البلدة.

محمود مواسي كان يملك مع عائلته وأقاربه تعاونية زراعية لتربية الطيور والدواجن «تم تجهيزها بآلات حديثة وأقفاص متطورة لإطعام الدجاج وتفقيس البيض وآلات لتصنيع العلف، وكانت تضمّ ثلاث مزارع تربية الطيور، تحوي جميعها ما يقارب 19000 طير». يقدّر خسائر التعاونية بأكثر من 300 ألف دولار، لأن المزارع تقع على بعد نحو 400 متر عن موقع المالكية، ما أدى الى نفوق كل الطيور التي تحتاج الى رعاية يومية ودقيقة».

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى