كتب محمد علوش في “الديار”:
كثيرة هي المفاجآت والمسارات التي تتخذها الحرب على غزة، والمنطقة، فرغم كل ما يُشاع عن ضغوط دولية للتوصل الى هدنة وتبادل، لا تزال اسرائيل مصرة على المضي بالحرب، ففي حين يتحدث الوسطاء عن اقتراح جديد لحل الخلاف بين العدو الإسرائيلي وحركة “حماس” حول محور فيلادلفيا على الحدود بين قطاع غزة ومصر وممر نتساريم الفاصل بين شمال وجنوب القطاع، قرر الكابينت الإسرائيلي المصادقة على الخرائط التي تقضي باستمرار بقاء الجيش الإسرائيلي في محور “فيلادلفيا”.
لا شيء يوحي بأن الحرب على غزة قد تتوقف قريباً، رغم ما تكشفه مصادر سياسية مواكبة عن اقتراحات جديدة ستوضع على طاولة التفاوض خلال ساعات أو أيام، تتعلق بإيجاد الحل لقضيتين رئيسيتين هما محور فيلادلفيا وممر نتساريم، وتُشير المصادر الى أن الانطلاق من الحديث عن الحرب على غزة ضروري جداً لأجل الوصول الى الحرب في الجنوب.
بعد ردّ حزب الله على اغتيال قائده فؤاد شكر، هدأت الجبهة وعادت الى مرحلة ما قبل استهداف الضاحية الجنوبية، وكانت دعوات السيد حسن نصر الله للبلد لكي يتنفس تأتي في هذا السياق، فعاد النازحون الجدد الى منازلهم في الضاحية الجنوبية وبعض قرى الجنوب، وعاد الحديث عن انطلاق العام الدراسي مطلع أيلول في أغلب المدارس، ولكن خلال الساعات الماضية عادت لغة التصعيد لتبرز في الكيان تجاه لبنان بعد أن أعلن ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية أن توسيع أهداف الحرب على جبهة لبنان أمر بديهي، وأن نتنياهو قد أكد ذلك مرّات عدّة.
يقول الوزير السابق في الحكومة الإسرائيلية بني غانتس: “أن تأتي متأخراً أفضل من أن لا تأتي أبداً.. لقد حان الوقت للشمال”، ويتحدث وزير حرب غالانت عن الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة بنفس السياق عندما يقول أنه بصدد اعداد مقترح يُعيد سكان الشمال الى منازلهم ويؤمن حمايتهم، فهل عدنا الى مرحلة اشتداد فرص اندلاع الحرب؟
بحسب المصادر فإن التهديدات الإسرائيلية، لا سيما بعد تنفيذ “حزب الله” رده على إغتيال شكر، تأتي من باب المزايدة الداخلية الاسرائيلية بالدرجة الأولى، وتشكل رسائل الى مستوطني الشمال الذين يضغطون على الحكومة مع اقتراب العام الدراسي، لا سيما أن تل أبيب كانت تملك، على مدى الأشهر الماضية، العديد من الأسباب التي كان من الممكن أن تدفعها إلى شن عدوان واسع على لبنان، بالإضافة إلى السعي إلى الضغط على الحزب من أجل وقف جبهة المساندة، في ظل تزايد الضغوط في الداخل اللبناني التي تصب في هذا الإتجاه.
حتى الساعة، ترى المصادر أنه لا يزال من المستبعد أن تبادر تل أبيب إلى تنفيذ أي من تلك التهديدات، نظراً إلى أنها، أولاً، لا تحظى بالغطاء اللازم لذلك، خصوصاً من الجانب الأميركي، في حين هي تدرك أن الذهاب إلى هذه الخطوة من دون ذلك الغطاء هو أمر غير ممكن، وثانياً بسبب إنشغالها في الأوضاع على الأراضي الفلسطينية، بعد مبادرتها إلى شن عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية، في حين هي لم تنجح في الإنتهاء من تلك التي لا تزال قائمة في قطاع غزة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك عامل ثالث لا يقل أهمية، يكمن بأنها تدرك جيداً أن القدرات التي لدى “حزب الله” تختلف عن تلك الموجودة لدى الفصائل الفلسطينية المقاومة، وبالتالي تعتبر أن من الأفضل أن تبحث عن تحقيق نجاحات هناك، بدل المغامرة بحرب لا تستطيع التكهن بنتائجها مع الحزب، من دون أن يلغي ذلك إحتمال إستمرارها بالتصعيد على الجبهة الجنوبية، ضمن الحد الذي لا يقود إلى الحرب الشاملة، إلا إذا توفرت لديها فرص أفضل أو بادر “حزب الله” إلى ذلك.
بالخلاصة، تختم المصادر بالتأكيد على أن اللغة التصعيدية التي يعتمدها العدو تشبه تلك التي كانت قائمة منذ أشهر، مع فارق هو أن المواجهات توسعت بعض الشيء، وحين يتحدث العدو عن عمل في الشمال لإعادة المستوطنين الى منازلهم فهذا يعني تواضع الأهداف، وهدف كهذا لا يمكن أن يكون على قائمة أهداف أي حرب واسعة، مشددة على أن نفس المسؤولين الذين يطلقون التهديدات، يقولون أن اسرائيل تفضل حتى اللحظة المساعي الدبلوماسية، وذلك لأن ظروف الحرب غير متوفرة، على أمل أن تنتهي الحرب في المنطقة قبل توفرها.