الاخبار الرئيسيةالصحافة اليوممقالات

عرض وساطة روسي بين واشنطن وطهران: موسكو تحجز مقعدها

عرض وساطة روسي بين واشنطن وطهران: موسكو تحجز مقعدها

كتبت جريدة “الأخبار”:

يلقي التقرير الجديد للمدير العام لـ»الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، رافايل غروسي، والذي تحدّث فيه عن ارتفاع مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب بزيادة قدْرها 50% خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بظلاله على الاجتماع الدوري الحالي لمجلس محافظي الوكالة. ويحصل ذلك في وقت تبدو فيه آفاق التسوية الدبلوماسية للملفّ النووي الإيراني مظلمة، في ظلّ مضيّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في سياسة «الضغوط القصوى» ضدّ الجهمورية الإسلامية، ومعارضة المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، إجراء أيّ محادثات مع الولايات المتحدة. وبالتوازي مع هذه الأجواء السلبية، ثمّة حراك تنفّذه بعض الأطراف، ولا سيما روسيا، للتوسّط بشكل ما بين طهران وواشنطن بهدف خفض التصعيد.

والاجتماع الدوري الأول لمجلس المحافظين في السنة الجديدة، والذي بدأ الإثنين ويستمر حتى الجمعة، يشغل فيه الملفّ الإيراني حيزاً واسعاً، ولا سيما لناحية مدى التقيّد بالالتزامات النووية في إطار «خطة العمل الشاملة المشتركة» (الاتفاق النووي) و»معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية»، وفقاً للتقرير الدوري لرافايل غروسي. وهو التقرير الذي يبدو أنه ما انفكّ ينطوي على أسئلة بقيت من دون إجابات، في ظلّ غموض الوكالة في مجال اتفاقات الضمانات، وكذلك في مجال الاتفاق النووي.

ووفقاً لهذا التقرير، فإن مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% بلغ حتى 8 شباط الماضي، قرابة 275 كيلوغراماً، أي بزيادة قدرها 92.5 كيلوغراماً عن شهر تشرين الثاني 2024. ويفيد التقرير أيضاً بأن نحو 42 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60%، إذا ما ارتفع تخصيبها إلى 90%، فإنها تكفي نظرياً على الأقل لصناعة قنبلة ذرية. وبذلك، فإن مخزون إيران من اليورانيوم بدرجة نقاء عالية، يوفّر، في حالة استمراره بهذه الوتيرة، المواد الأولية الكافية لتصنيع أكثر من 6 قنابل ذرية.
وبناءً على ذلك، فإن إيران تكون قد زادت، في الأشهر الثلاثة الماضية، مخزونها من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% بمقدار 50%، مقارنةً بـ11% فقط خلال الأشهر الثلاثة التي سبقتها. وأعلن غروسي، في تقريره، أن إيران «هي الدولة غير النووية الوحيدة التي تنتج مثل هذا النوع من المواد، وهو أمر مثير للقلق الشديد».

ويحدث كل ذلك في وقت لم يحصل فيه تقدّم ملموس في معالجة الخلافات القائمة بين إيران والوكالة حول «آثار اليورانيوم الموجودة في المواقع غير المعلنة»، و»صعوبة وصول الوكالة الدولية إلى معطيات كاميرات المراقبة في المنشآت النووية»، و»تقييد دخول بعض خبرائها إلى إيران». وكان مجلس محافظي الوكالة قد صادق، في اجتماعه الدوري السابق في تشرين الثاني الماضي – باقتراح مشترك من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبدعم من إدارة جو بايدن آنذاك -، على قرار دعا الجمهورية الإسلامية إلى التعاون الفوري مع الوكالة، التي كلّفت، في قرارها هذا، مديرها العام بإعداد تقرير شامل بمعزل عن التقارير الدائمة، حول الملف الإيراني، ليتّخذه الأعضاء كوثيقة تمكّنهم من اعتماد قرارات حيوية في شأن إيران.

زادت إيران مخزونها من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% بمقدار 50%، خلال الأشهر الثلاثة الماضية

ومع ذلك، فإن غروسي لم يقدّم هذا التقرير الشامل في الاجتماع الحالي للوكالة، بل إن ما قدّمه هو عبارة عن تقارير دورية وروتينية حول البرنامج النووي الإيراني. ولو أن المدير العام قدّم تقريره الشامل في الاجتماع الحالي، لكان تحوّل على الأرجح إلى أكثر الحوارات حيوية وتضارباً في الآراء حول الملف الإيراني؛ علماً أن التأخير في تسجيل هذا التقرير كان وراء إحالته إلى الاجتماع المقبل. ويُتوقع أن يتم وضع نص نهائي للتقرير الشامل للمدير العام للوكالة الدولية بعد عدة أسابيع، أي في نيسان أو أيار المقبلَين على أبعد تقدير، وبفاصل زمني قصير عن الاجتماع المقبل لمجلس المحافظين. ويبدو أنه إذا وردت القضايا المُختَلف عليها العالقة في التقرير الشامل لغروسي، فإنه لن يكون مستبعداً أن تتحرّك الأطراف الأوروبية نحو تفعيل «آلية الزناد» (عودة العقوبات الأممية تلقائياً ضدّ إيران).

وبالتوازي مع زيادة سرعة البرنامج النووي الإيراني، فإن العملية الدبلوماسية لتسوية الخلافات في هذا الملف تسير ببطء شديد. وتسبّب توقيع ترامب على تعميم الضغوط القصوى على إيران في 4 شباط الماضي، في تشاؤم السلطات الإيرانية وإعراضها عن الدخول في محادثات مع الإدارة الأميركية، فيما اعتبر المرشد الأعلى أيّ محادثات مع الولايات المتحدة «غير مُشرّفة وغير عقلانية وغير ذكية»، وهو ما رسم آفاقاً قاتمة عن مستقبل الاتفاق، وإن لم ينهِ الحراك الدبلوماسي.

وخلال الأسبوع الماضي، زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، طهران، التي سبقه إليها أيضاً أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. ويُقال إن جانباً من أهداف هاتين الزيارتين تمثّل في محاولة للتوسّط بين طهران وواشنطن، وذلك بعدما ساهم خفض التصعيد بين الأميركيين والروس في خروج موسكو من عزلتها، ما منحها فرصةً أكبر للتحرك دبلوماسياً.

وقال مصدر دبلوماسي مطّلع، لـ»الأخبار»، إن «لافروف لم يحمل رسالة خاصة من أميركا خلال زيارته إلى طهران، لكنه وضع قادة إيران في صورة المحادثات الأخيرة مع الأميركيين في الرياض، خاصة أن مخاوف أثيرت في إيران من أن روسيا قد تبتعد عنها في مقابل خفض التصعيد مع أميركا، والحصول على تنازلات في موضوع الحرب الأوكرانية». وأضاف المصدر أن «روسيا تسعى إلى بلورة مسار دبلوماسي جديد للملف النووي الإيراني (مماثل لمسار محادثات إحياء الاتفاق النووي)، وأن تكون هي جزءاً منه. وعليه، فإنها تريد في ظلّ التطوّر الأخير في علاقاتها مع واشنطن، التوسط بطريقة ما بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة». واستطرد المصدر، قائلاً إن «سلوك روسيا يشير إلى أنها لا تريد أن تتّفق إيران وأميركا بصورة مباشرة، بل تريد أن تكون هي جزءاً من العملية الدبلوماسية والاتفاق».

وفي هذا السياق، لفت الكرملين، أمس، إلى أن المحادثات المستقبلية بين روسيا والولايات المتحدة ستشمل مناقشات حول البرنامج النووي الإيراني، وهو موضوع قال إنه «جرى التطرق إليه»، في جولة أولية من المحادثات بين البلدين، الشهر الماضي. وذكرت قناة «زفيزدا» الروسية، المملوكة للدولة، نقلاً عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن الرئيس فلاديمير بوتين وافق على التوسّط بين طهران وواشنطن في محادثات بشأن الملف النووي. وفي سياق متصل، نقل موقع وكالة «بلومبرغ»، الثلاثاء، عن مصادر مطّلعة، قولها إن روسيا وافقت على مساعدة إدارة دونالد ترامب للتواصل مع إيران في شأن مختلف القضايا بما فيها البرنامج النووي الإيراني ودعم طهران للقوى المناهضة لأميركا في المنطقة، فیما نقلت «رويترز» عن مصدر مطّلع، طلب عدم الكشف عن هويته، قوله إن روسيا عرضت أن تؤدّي دور الوسيط، لكن لم يُطلَب منها القيام بهذا الدور.

وکان الناطق باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، قال رداً على سؤال عمّا إذا كانت روسيا قد اقترحت التوسّط بين إيران وأميركا: «من الطبيعي أن تعلن الدول من منطلق المساعدة وحسن النية، عن جهوزيتها للتوسط في المحادثات».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى