فرّت رئيسة الوزراء البنغلادشية الشيخة حسينة اليوم الإثنين إلى الهند لينتهي حكمها الذي استمر 15 عاماً بعد أكثر من شهر على تظاهرات أوقعت مئات القتلى، فيما أعلن الجيش أنه يعمل على تشكيل حكومة انتقالية.
ولدت حسينة واجد في 28 أيلول 1947 في قرية “تونغي بارا” جنوب غرب العاصمة البنغالية دكا، وهي أكبر البنات الخمس للشيخ مجيب الرحمن، مؤسس وأول رئيس لجمهورية بنغلاديش الشعبية.
والشيخة حسينة لها أصول عراقية من خلال كلا الجانبين من الأب والأم وكانت عشيرتها من نسل الداعية المسلم الشيخ عبد الأول درويش من بغداد الذي وصل إلى صوبة البنغال في أواخر عصر المغول. نشأت في تونجيبارا خلال طفولتها المبكرة تحت رعاية والدتها وجدتها. عندما انتقلت العائلة إلى دكا عاشوا في البداية في حي سيغونباجيتشا.
في 15 آب 1975 اغتال ضباط بنغاليون والدها (الذي كان قد تولى الحكم منذ أشهر فقط)، وجميع أفراد أسرتها، ونجت هي وشقيقتها ريحانة من الاغتيال لوجودهما آنذاك في ألمانيا، ثم ظلت فترة في المنفى بين بريطانيا والهند حتى انتخابها رئيسة لرابطة عوامي.
عند عودتها إلى وطنها عام 1981، أصبحت مناصرة بارزة وصريحة للديمقراطية، وهو ما أدى إلى وضعها تحت الإقامة الجبرية في مناسبات عديدة.
حصلت في نهاية المطاف على مقعد في البرلمان وأصبحت زعيمة للمعارضة فيه، وأدانت عنف الحكم العسكري ودعت لاتخاذ تدابير لتأمين حقوق الإنسان الأساسية لجميع المواطنين.
في 23 حزيران 1996 أصبحت حسينة رئيسة للوزراء في بنغلاديش بعد فوز حزبها بالانتخابات التشريعية، غير أن الحزب مني بهزيمة في انتخابات 2001 بعد فوزه بـ60 مقعدا فقط في مجلس النواب مقابل 200 مقعد لغريمه الحزب الوطني البنغالي، لكن حزبها قال إن الانتخابات تم تزييفها رغم الشهادات الدولية بنزاهتها.
في عام 1967 تزوجت حسينة من محمد واجد مياه وهو عالم نووي بنغالي حاصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة درم. درست حسينة الأدب البنغالي في جامعة دكا وتخرجت منها عام 1973. عاشت في قاعة رقية التي تأسست عام 1938 لتكون سكنا للنساء في جامعة دكا. وسميت فيما بعد على اسم الناشطة النسوية بيغوم رقية. شاركت في سياسة رابطة الطلاب وانتخبت أمينة عامة لوحدة المرأة في قاعة رقية.
وشغلت الشيخة حسينة منصب رئيسة وزراء بنغلاديش خمس فترات و فترة ولاية واحدة من عام 1996 إلى عام 2001. و4 فترات متتالية منذ عام 2009 إلى عام 2024.
استقالتها
وسعت حسينة منذ أوائل تمّوز لإخماد تظاهرات واسعة منددة بحكومتها، لكنها فرت غداة يوم سجل أكبر عدد من الضحايا مع مقتل نحو 100 شخص.
وأعلن قائد الجيش الجنرال وقر الزمان في خطاب على التلفزيون الحكومي الإثنين أن حسينة استقالت مؤكداً أن الجيش سيشكل حكومة انتقالية.
وقال إن “البلد عانى كثيرا والاقتصاد تضرر وعدد كبير من الناس قتلوا، حان الوقت لوقف العنف … آمل بعد خطابي أن يتحسن الوضع”.
فرت حسينة (76 عاما) من بنغلادش على متن مروحية حسبما قال مصدر مقرب منها لوكالة فرانس برس بعد وقت قصير من اقتحام متظاهرين مقرها في دكا.
وقال المصدر إنها غادرت أولا في موكب سيارات ثم نقلت جوا، من دون الكشف عن وجهتها.
ولوح محتجون مبتهجون بالأعلام ورقص البعض منهم على ظهر دبابة في الشارع صباح الإثنين قبل أن يقتحم المئات بوابات المقر الرسمي لرئيسة الحكومة.
وعرضت قناة “بنغلادش 24” مشاهد لحشود يقتحمون مقر الحكومي وهم يلوحون للكاميرا ابتهاجا.
فراغ
وحذر مايكل كوغلمان، مدير معهد جنوب آسيا في مركز ويلسون في واشنطن، من أن رحيل حسينة “سيترك فراغا كبيرا”.
وقال “إذا كان الانتقال سلميا، مع تشكيل حكومة مؤقتة تتولى السلطة حتى إجراء الانتخابات، فإن مخاطر الاستقرار ستكون متواضعة والعواقب ستكون محدودة … لكن إذا كان هناك انتقال عنيف أو فترة من عدم اليقين، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من زعزعة الاستقرار والمشاكل في الداخل والخارج”.
قبل مغادرتها المقر دعا نجل حسينة قوات الأمن إلى منع أي انقلاب على حكمها.
وقال سجيب واجد جوي المقيم في الولايات المتحدة في منشور على فيسبوك “واجبكم هو الحفاظ على سلامة شعبنا وبلدنا والحفاظ على الدستور”.
أضاف “هذا يعني عدم السماح لأي حكومة غير منتخبة بالوصول إلى السلطة لدقيقة واحدة، هذا واجبكم”.
دعمت قوات الأمن حكومة حسينة خلال فترة الاضطرابات التي بدأت الشهر الماضي احتجاجا على تخصيص أكثر من نصف الوظائف الحكومية لشرائح معينة قبل أن تتصاعد الدعوات المطالبة باستقالتها.
وقُتل 94 شخصاً على الأقل الأحد بينهم 14 شرطياً، في أكثر الأيام دموية خلال الاحتجاجات.
واندلعت مواجهات بين آلاف المتظاهرين المناهضين للحكومة وأنصارها، استخدموا فيها العصي والسكاكين بينما أطلقت قوات الأمن النار.
وارتفعت بذلك الحصيلة الإجمالية للمواجهات منذ بدء التظاهرات في مطلع تموز إلى 300 قتيل على الأقل، وفق تعداد لوكالة فرانس برس استناداً لتقارير الشرطة ومسؤولين حكوميين وأطباء في مستشفيات.
التظاهرة النهائية
أعلن الجيش حالة طوارئ في كانون الثاني 2007 عقب اضطرابات سياسية واسعة وشكل حكومة تصريف أعمال مدعومة من الجيش لعامين.
ثم حكمت حسينة بنغلادش منذ 2009 وفازت بولاية رابعة في انتخابات كانون الثاني/يناير التي لم تشهد منافسة حقيقية.
وتتهم منظمات حقوق الإنسان حكومتها بإساءة استخدام مؤسسات الدولة لترسيخ إمساكها بالسلطة والقضاء على المعارضة، بما في ذلك عبر القتل خارج نطاق القضاء.
وبدأت التظاهرات إثر إعادة العمل بنظام حصص خصص أكثر من نصف الوظائف الحكومة لفئات معينة من المواطنين.
وتصاعدت التظاهرات رغم إلغاء المحكمة العليا قرار تفعيل النظام.
وكان عناصر من الجيش والشرطة على متن آليات مدرعة في دكا قد قطعوا الطرق المؤدية إلى مقر حسينة بالأسلاك الشائكة صباح الإثنين. لكن حشود المتظاهرين نزلوا إلى الشارع وأزالوا الحواجز.
وقدّرت صحيفة بيزنس ستاندرد أن 400 ألف متظاهر نزلوا إلى الشوارع، لكن لم يتسن التأكد من العدد.
وقال آصف محمود أحد قادة الاحتجاج الرئيسيين في حملة العصيان المدني على مستوى البلاد “حان الوقت للتظاهرة النهائية”.
خلافا للشهر الماضي، لم يتدخل رجال الشرطة والجيش في أوقات كثيرة الأحد لقمع الاحتجاجات واكتفوا بالمراقبة.
وفي توبيخ بالغ الدلالة للشيخة حسينة، طالب قائد سابق للجيش يحظى باحترام البنغلادشيين الحكومة بسحب قواتها من الشوارع والسماح بالتظاهرات.
وقال إقبال كريم بويان لصحافيين الأحد “هؤلاء المسؤولون عن دفع شعب هذا البلد إلى حالة من البؤس الشديد يجب تقديمهم إلى العدالة”.
وجذبت الحركة الاحتجاجية أشخاصا من كل أطياف المجتمع البنغلادشي وبينهم نجوم سينما وموسيقيون ومغنون.