في كل بداية عام هجري، يبدأ إحياء ذكرى عاشوراء عبر مجالس العزاء واللطم والتي قد تمتد الى عادات وأساليب مستحدثة هي موضع خلاف بين فقهاء المسلمين.
هذه الذكرى التي حفرت عميقًا في الوجدان الإسلامي وأثرت على مجرى التاريخ، وأسقطت حكومات ودول، وكانت الشرارة لبداية ثورات على الحكم الأموي إلى أن سقط على يد العباسيين.
وعن بداية مراسم عاشوراء، أشار إمام مسجد السيدة فاطمة الزهراء(ع) في منطقة زقاق البلاط الشيخ يوسف دعموش إلى “أن مراسم عاشوراء والشعائر الدينية وخصوصاً التي ترتبط بالإمام الحسين(ع) بدأت منذ القدم، ولو بشكل ضيق نتيجة الظروف التي عاش فيها أهل البيت والتي كانت تواجههم، سواء في حقبة الامويين أو العباسيين”.
وأضاف الشيخ دعموش أن “المجالس العاشورائية كانت تمر بفترات صعبة إلا أنها استمرت حتى عصرنا الحالي”، مشيراً إلى أن “شعارات أهل البيت تمثّل عملية مواجهة الظالمين والوقوف بوجه الظالم مهما علا شأنه”.
وحول بعض قرّاء العزاء الذين يروون على المنابر بعض الروايات التي قد تكون ضعيفة وموضوعة بهدف الابكاء، أجاب الشيخ دعموش أنه “لا شك ولا ريب أن مسألة عاشوراء هي مدرسة تعلم الحق وليست كتاب قصص بين الناس، إنما هي شعائر نمارسها بشكل لها ارتباط بأهل البيت”،وأضاف قائلا: “أنه ينبغي حتى عندما نريد التحدث عن الإمام الحسين(ع) أن نترك كل الأمور التي ليس لها موقع يمكن أن يجعل الناس يعيشون حقيقة أهل البيت فيما عاشوه”.
وأضاف أن “هناك مبالغات لدى بعض القرّاء لكننا نحاول أن نجعل هذه المدرسة التي علّمنا ايّاها أهل البيت مدرسة حقٍ وحقيقة للناس، بحيث لا يكون هناك أيّ روايات خارجة عن الأطر الصحيحة التي وضعها أهل البيت في مسألة الإمام الحسين(ع)” مشدداً على أن حضور الأطفال في المجالس العاشورائية تهدف الى تعليمهم وتربيتهم على حب أهل البيت (ع)، فقضية الحسين(ع) ترتبط بمواجهة الظلم وهذا ما يجب أن نعلّمه لأولادنا”.
وعن عادات توزيع الطعام ورمزيته بشكل عام وطهي الهريسة بشكل خاص في أيام عاشوراء، أشار الشيخ دعموش إلى أن “الإطعام تقليد موجود وهو من صفات الكرم، فكيف إذا كان الإطعام على حب أهل البيت (ع)”.
وفيما يتعلق بدور عاشوراء في بناء الموروث الثقافي، قال:”أن مسألة عاشوراء فيها الكثير من العادات الثابتة تعارفوا الناس عليها، كما أن هناك أمور وقضايا ليس لها أصل ولا نعتمد عليها”.
وفيما يخص الرأي الفقهي في شعيرة التطبير أشار الشيخ دعموش إلى أن “مسألة التطبير مسألة خلافية حتى السيد الخوئي أجاز هذا الأمر، فهناك بعض الفقهاء يقولون أن لا إشكال في إجازتها” ولكنه شدد على أن هذه الدماء بدل أن تهدر سدى نستطيع الاستفادة منها في التبرعات”، لافتاً إلى أن هذه الشعيرة “لم تكن موجودة في الماضي”.
وعن قياس الأثر الروحي لإحياء عاشوراء على الأفراد والمجتمع، قال الشيخ دعموش: “أن عاشوراء لها قيمة كبرى ولها أثر كبير في حياة الأمة ومواجهة الظالمين في أي موقع كانوا، فالمسألة هنا مسألة مواجهة الظالم ولا بد من تعليم أبنائنا على ذلك والوقوف أمام الفساد والظلم في أي موقع من المواقع، مشددا على أن مسألة الإمام الحسين(ع) كانت مسألة الإصلاح بين الأمة، واستطرد قائلاً: الدليل الأكبر على الفساد اليوم هو ما يحدث في وطننا لبنان من فساد مستشري من قبل السياسيين” ، وتوجه لهم بالقول:”اتقوا الله في الناس فيما تفعلونه لأن الناس بحاجة إلى من يعينهم ويحفظهم على هذه الحياة الصعبة”.
وتابع :”هذا يفرض علينا أن نقف ضد الظلم وضد الفساد من أجل أن نعطي مجتمعاً سليماً ،مجتمعاً صحيحاً لأننا بحاجة الى أن نتكاتف ضد المقومات الفاشلة”،فلا بدّ أن تعود هذه الأمة للرجوع إلى دينها وأفكارها وكل ما يمكن للنهوض في هذا البلد وحفظ هذا الإنسان”.
وفيما يتعلق باستنباط العبر من عاشوراء للوصول إلى الوحدة الوطنية، ختم قائلا:”عاشوراء خرجت لطلب الإصلاح في الأمة أي أن نصلح في أمتنا ،لافتاً إلى أن “الإصلاح في الأمة يتطلب من الناس السعي لتحقيق كل ما أراده الحسين(ع) لتكون أمةً تأمر بالمعروف وتَنهى عن المنكر وتأخذ بيد الناس إلى الطريق المستقيم”.
على الضفة الأخرى، اعتبر المساعد القضائي الشرعي في محكمة بيروت الشرعية الشيخ خالد يموت أن ” عاشوراء يوم عظيم فيه نجى الله موسى عليه السلام وأغرق فرعون”، لافتاً إلى أن “لا شك أن فيه حدث جليل وهو ثورة الحق التي استشهد من أجلها سيدنا الحسين رضي الله عنه”،مشددا” على أنه ينبغي أن يكون هناك تصحيح للمفاهيم خصوصاً الأجيال الصاعدة وعلى أهل العلم من علماء المسلمين سنة وشيعة أن يضعوا نظاماً مشتركاً واحداً لها للخروج من أي مفهوم خاطئ لها”.
ولفت الشيخ يموت إلى أن “هناك بعض الموروثات انتقلت بطريقة غير صحيحة أحدثت تباعداً إلى حدٍ ما بين المسلمين كان لزاماً على أهل العلم أن يضعوا حداً لها منذ سنينٍ مضت”.
وفيما يتعلق بالرأي الشرعي من إقامة مجالس العزاء واللطم ،أشار الشيخ يموت إلى أنها تعبير عن الحزن والألم الذي أصاب سيّد الشّهداء”،واستطرد قائلاً:” لكن علينا جميعاً بدل اللّطم أن نقرأ سيرته الشريفة ونأخذ منها العبر حتى تكون قانوناً يحتذى بها ويدرّس في حياة المسلمين”.
من هنا نجد أن يوم عاشوراء هو يوم للوحدة الإسلامية، وبعيد عن كل شائعات التفرقة والنبذ التي يحاول بعض الموتورين أن يمارسها.