“طوفان” المبادرات الداخلية في ظل موازين القوى الموجود حالياً مجرد هرطقة
التفاهم الأميركي - الايراني - السعودي = انتخابات رئاسية وتأليف حكومة واصلاحات
كتب حسين زلغوط في جريدة “اللواء”:
بعد اسابيع قليلة تدخل المنطقة “كوما ” الانتخابات الرئاسية الأميركية ، وتزامنا توضع كل الملفات على رف الانتظار ومن بينها الملف اللبناني بكل تشعباته، حيث تغلق الادارة الاميركية نافذتها على الخارج لتتفرغ لاستحقاقها الداخلي الذي على ضوء نتائجه يحدد مصير ومسار الكثير من هذه الملفات التي يتوقع ان تبقى على ما هي عليه الى ما بعد الخريف المقبل.
صحيح أن هناك زحمة مبادرات داخلية تتعلق بالاستحقاق الرئاسي ، بعد ان وقفت كل المحاولات الخارجية على عتبة الانقسام السياسي الموجود في لبنان ، وغياب التوافق الدولي المطلوب لانتخاب رئيس ، غير أن هذه المبادرات لن يكون حظها افضل من تلك التي سبقتها على مدى سنة وعدة شهور، وهي ستكون بمثابة تعبئة الوقت الضائع بانتظار دخول المنطقة في مدار التسويات، وهذه التسويات معلقة الآن على حبل الانتخابات الايرانية، ومن ثم الانتخابات الأميركية ، اضافة الى جلاء غبار المعركة في غزة.
يدرك كل عامل على خط الانتخابات الرئاسية في لبنان بأن المؤثر الفعلي في هذا الاستحقاق هو العامل الخارجي، وأن العامل الداخلي لطالما كان يتماهى مع ما يأتيه من كلمات سر من وراء البحار في ما خص انتخاب رئيس للجمهورية ، وهذا المناخ موجود منذ الاستقلال الى اليوم ولم يسجل عكس ذلك الا حالة واحدة عندما تنافس الرئسين سليمان فرنجية والياس سركيس على سدة الرئاسة في العام 1970″ المنخار على المنخار ” حيث فاز آنذاك فرنجية على سركيس بفارق صوت واحد بعد ثلاثة دورات انتخابية ، حيث جرت الانتخابات وسط تنافس داخلي بين الكتل النيابية ولم يكن للخارج الأثر الذي يمكن القول معه انه رجح كفة هذا المرشح على ذاك المرشح.
اليوم وفي ظل الانقسام السياسي غير المعهود في لبنان، وفي ظل توازن القوى الموجود تحت قبة البرلمان يستحيل ومهما حصل من مبادرات وحوارات وصول رئيس توافقي الى قصر بعبدا، ومن هنا خشية البعض ان يبقى لبنان من دون رئيس هذا العام ، في حال لم يطرأ متغيرات في المشهد الاقليمي والدولي تصب في خانة مصلحة لبنان.
وبما ان اكثر من دولة جّربت حضها ، عربية كانت أم أجنبية ، ولم تنجح في ردم الهوة بين اللبنانين، وتعبيد الطريق امام وصول رئيس الى قصر بعبدا ، فانه يعّول على حصول تفاهم ايراني- اميركي- سعودي لحصول انتخابات رئاسية في لبنان لما لهذه الدول من نفوذ فعلي وقوي في لبنان بغض النظر عن تنكر بعض القوى السياسية لهذه الحقيقة . وقد يطرح السؤال لماذا هذه الدول لم تتدخل بشكل مباشر على خط معالجة الأزمة الرئاسية، وما تزال تنأى بنفسها عن تحديد موقف واضح من هذه المسألة على رغم من ان واشنطن والمملكة العربية السعودية مشاركتان في “اللجنة الخماسي”؟
الجواب على هذا السؤال بسيط جدا وهو أن الاستحقاق الرئاسي في لبنان بالنسبة لأميركا ثانوي ومجرد نقطة في بحر الملفات التي تتابعها في العالم وبالتالي فإنه الى الآن غير مدرج على لائحة الملفات المهمة لدى الادارة الاميركية وان كان هذا الاستحقاق جاء على ذكره في بيان قمة الرئيسين جو بايدن والفرنسي ايمانويل ماكرون نتيجة اثارته من قبل الرئيس ماكرون ، وبالتالي لا يمكن القول ان انتخاب الرئيس اصبح في صلب اهتمام الرئيس بايدن الذي يستعد لخوض غمار الانتخابات الرئاسية في اميركا في الخريف المقبل.
اما لناحية ايران فهي وكما اعلن اكثر من مسؤول فيها فهي لن تتدخل في شأن الانتخابات الرئاسية في لبنان الا اذا طلب منها ذلك، وهي لذلك لم تشارك في “اللجنة الخماسية” على رغم ما تتمتع به من نفوذ في لبنان ، وتركت الخيار الى “الثنائي الشيعي”، هذا الموقف الايراني من الممكن أن يطرأ عليه تعديل في حال ذهبت المنطقة الى تسوية كبرى ويصبح عندها الجميع ملزم في تحديد خياراته، وبما أن أي تسوية كانت صغيرة أم كبيرة لا تتم الا بالجلوس على طاولة حوار وتبادل تنازلات ، فان التسوية المرتقبة التي قد تحصل ستشهد تنازلات من قبل الدول المعنية ونتيجة هذه التنازلات تعاج ملفات كانت عصية على الحل في مراحل سابقة ومنها الأزمة في لبنان.
أما من الجانب السعودي فلا يخفى بأن الخلاف بين طهران والمملكة في مرحلة سابقة كان يلقي بثقله على الوضع في لبنان ، وتسبب في بعض المشاكل الداخلية ،اما وقد حصل التقارب الكبير بين الجانبين فهذا أمر سيساعد حكما في معالجة الأزمة في لبنان خصوصا وأن المملكة العربية السعودية لطالما لعبت دوراً محوريا في معالجة الازمات في لبنان وساعدته في تجاوز الكثير منها، وهي بالتأكيد لن تكون حجر عثرة امام اي تسوية ترمي الى انتخاب رئيس في لبنان تنتظم من خلاله المؤسسات وتؤلف حكومة تشرع في تنفيذ ما هو مطلوب من اصلاحات على اساسها سيساعد المجتمع الدولي لبنان.