كتب رفعت ابراهيم البدوي
تبدأ اليوم في جوهانسبورغ عاصمة جنوب إفريقيا، قمة مجموعة دول «بريكس»، بمشاركة 41 دولة أكدت حضورها حتى كتابة هذه السطور من أصل 67 دولة تمت دعوتها إلى جانب ممثلين عن 20 منظمة دولية.
قمة «بريكس 2023» ستنظر في طلب انضمام أكثر من 23 دولة للانضمام لعضوية المجموعة، ومنها الأرجنتين ومصر وإيران والجزائر وتونس وتركيا والمملكة العربية السعودية، كما يرى المراقبون في هذا الزخم والمشاركة، محاولة جدية لإزاحة الولايات المتحدة الأميركية عن احتكار الاقتصاد العالمي.
مما لا شك فيه أن تحديات كبرى وقرارات مهمة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي تنتظر الدول المشاركة، بعدما شاهدنا الإقبال الكبير من دول العالم، للانضمام إلى هذا المجموعة الواعدة، وذلك من أجل إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد، يسوده العدل المساواة في مجال التنمية المستدامة لمصلحة الشعوب والدول، وخصوصاً تلك الدول المنهوبة أصلاً من قبل أميركا وأعوانها من دول الغرب.
أمام هذا الواقع وبعد متابعة حثيثة لعمل وأداء مجموعة «بريكس»، ومن خلال الإدارة المشتركة بين الصين وروسيا نستطيع القول: إننا مقبلون على تغيير كبير في خريطة النظام الاقتصادي العالمي الحالي، وإن ما بعد قمة «بريكس 2023» المنتظرة في جنوب إفريقيا، لن يكون كما قبلها، لجهة وضع الأطر الكفيلة بإنشاء نظام اقتصادي متعدد الأقطاب، كبديل من النظام الأميركي الأحادي.
ينصب اهتمام دول المجموعة حالياً، لتحويل التعامل التجاري بالعملات المحلية لدول «بريكس» كبديل عن الدولار الأميركي، الذي احتل قائمة العملات واحتياطي المصارف العالمية، لعقود من الزمن، ما أفسح المجال أمام الولايات المتحدة الأميركية بالسيطرة على أسواق العالم، الأمر الذي مكّن الإدارات الأميركية المتعاقبة، من إخضاع برامج التنمية الاقتصادية وحتى السياسية لدول العالم، من خلال ممارسة الابتزاز والتهديد الدائم، في قلب وتخريب أنظمة الدول التي لا تتماهى مع السياسة الأميركية، أو الرافضة لمبدأ النظام العالمي الأحادي، وهو النظام الذي اشتهر بنهب ثروات الدول ومنع التنمية فيها وإخضاعها لتكون مجرد تابع، لمصلحة السياسات الأميركية والغربية، ولو جاء ذلك على حساب شعوب وأجيال الدول المنهوبة الضعيفة، وهنا من المفيد الاطلاع على كتاب «قاتل اقتصادي» للكاتب جون بيركينز.
يكفينا مراقبة سياسة القروض المالية المتبعة من قبل ما يسمى بالبنك الدولي، أو صندوق النقد الدولي، اللذين يؤديان بأمانة تنفيذ إملاءات الإدارة الأميركية في واشنطن، وهنا يمكننا اكتشاف أهداف النظام الاقتصادي الأحادي الأميركي السائد، القائم على ابتزاز الدول والهيمنة والسطو والإخضاع المنظم الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية على دول العالم، وعلى دول منطقتنا العربية على وجه الخصوص، كما الحال مع سورية ولبنان والعراق ومصر واليمن وليبيا والسودان، وذلك من خلال فرض سياسات البنك وصندوق النقد الدوليين، فلا قروض ميسرة ولا تنمية ولا اقتصاد، إلا إذا قبلت تلك الدول التقيّد بنتفيذ الأجندة الأميركية السياسية والاقتصادية، وحتى الثقافية منها كما يجري مؤخراً، وبحجة حقوق الإنسان، بالضغط من أجل الترويج للمثلية الجنسية كشرط لقبول طلب الدول الاقتراض من البنك أو الصندوق الدولي.
من أهم إنجازات مجموعة دول «بريكس» هو تأسيس وإنشاء «بنك التنمية الجديد – New Developmen Bak» واختصار «NDB»، وتترأس مجلس الإدارة فيه، رئيسة البرازيل السابقة ديلما روسيف، وهو بمنزلة بنك تنمية متعدد الأطراف تديره دول «بريكس» الخمس المؤسسة، أما الدور الأساسي لهذا البنك فهو منح قروض بمليارات الدولارات، لتمويل مشاريع تنموية في مجال البنية التحتية الأساسية والتكنولوجيا والطاقة والصحة والتعليم، والزراعة والري، في البلدان الأعضاء بالمجموعة، وكذلك البلدان الناشئة الأخرى.
من أهم المبادئ للدول المؤسسة لـ«بريكس» والتي تسعى إلى تحقيقها:
- تحقيق نمو اقتصادي شامل في العالم بهدف القضاء على آفة الفقر ومعالجة البطالة وتعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، تماماً كما نجحت الصين في تحقيق ذلك.
- تحسين نوعية النمو عن طريق تشجيع التنمية الاقتصادية المبتكرة عبر تطوير التكنولوجيا، إضافة إلى إفساح المجال أمام تنمية المهارات الفردية والجماعية.
- تعزيز الأمن والسلام من أجل نمو اقتصادي واستقرار سياسي في العالم وهذا ما تسعى إليه الصين من خلال تقريب وجهات النظر وحل الخلافات عبر الطرق الدبلوماسية بين الدول المتخاصمة، كما حصل في بكين بالإعلان عن اتفاق لعودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية، أو بتقديم المقترحات الناجعة تماماً كما فعلت الصين حين قدمت مقترحاً لوقف الحرب ولإحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا.
- التعاون مع المجتمع الدولي للحفاظ على استقرار وتحسين التجارة الدولية وبيئة الاستثمار، إضافة إلى مكافحة التغيرات المناخية، وتقديم المساعدة الإنسانية، والحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، وهذا يشمل معالجة قضايا مثل الأمن الغذائي العالمي.
- التعاون بين دول «بريكس» في العلوم والتعليم والمشاركة في البحوث الأساسية والتطور التكنولوجي المتقدم.
في مقابل أهداف دول «بريكس» المذكوره نجد أن الولايات المتحدة الأميركية، لم تسع يوماً في تاريخها إلى تحقيق أي منها، بل على العكس تماماً، فقد تقصدت أميركا وصناديقها ومصارفها، في تأليب الأنظمة ضد مصلحة شعوبها، وساعدت على اتباع أسلوب النهب المنظم لثروات الدول، ومنعت التقدم والتطور، وألغت دور الصناعة فيها، واحتكرت الإنتاج الزراعي والغذائي، لمصلحة الشركات الأميركية، وفرضت التعامل بمبدأ التحويل أو السويفت بين المصارف بالدولار الأميركي حصراً، وذلك لضمان السيطرة الأميركية ومراقبة الدورة الاقتصادية في العالم.
إن آمال الشعوب التواقة إلى التحرر من الهيمنة والسطوة الأميركية معلقة على نجاح دول مجموعة «بريكس» أو «بريكس بلس» في تشكيل نظام اقتصادي جديد متعدد الأقطاب وذلك للفكاك من النظام الأميركي الأحادي القائم على منع تنمية الشعوب والسطو والنهب المنظم لثروت الدول.
مما لا شك فيه أن الصين بدأت الخروج من المنطقة الرمادية، وها هي تلعب دوراً متوازناً في سياسات العالم، الأمر الذي يدفعنا إلى تعليق آمالنا بتولي الصين وروسيا، مهمة إتمام رسم خريطة النظام الاقتصادي الجديد المتعدد، وتعزيز المساهمة في إنهاء السطوة الأحادية الأميركية المدمرة، ولاسيما على دول وشعوب وثروات منطقتنا العربية.
مسؤول صيني بارز صرح لصحيفة «فايننشال تايمز» قائلاً: إذا قمنا بتوسيع دول «بريكس» لتكون مسؤولة عن حصة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مثل مجموعة السبع، والتي تضم كلاً من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وكندا وفرنسا واليابان والولايات المتحدة، فإن صوت الدول النامية المعارضة للسياسات الأميركية والغربية، ولاسيما دول مجموعة دول «بريكس»، سيصبح أقوى في العالم.