شُبهات “الأونروا” ومأزق عين الحلوة
زاهر أبو حمدة
تسعى “الأونروا”، وفقاً لبيان صادر عنها، الى “الحصول على مبلغ 15,5 مليون دولار من أجل استجابتها متعددة القطاعات، وذلك في أعقاب الاشتباكات المسلحة التي وقعت في مخيم عين الحلوة للاجئي فلسطين جنوب لبنان في الفترة الواقعة ما بين 29 تموز وحتى 3 آب”. وبما أن الوكالة لم تشرح للمانحين أو للاجئين كيف قدرت هذه الأضرار وتكاليفها ومن أجرى المسح المباشر وكيفية إجراء مناقصات الترميم أو خطة التعويض، يمكن التشكيك في هذا الرقم. ولا يُعرف لماذا تضع الوكالة الدولية نفسها دائماً في موضع الشبهات.
ويتابع البيان: “وكانت أربعة أيام من العنف بين الجماعات الفلسطينية المسلحة في المخيم قد خلفت 13 قتيلاً وأكثر من 60 جريحاً. وأجبر آلاف المدنيين على الفرار من منازلهم التي تضررت أو دمرت. وتم احتلال جميع مدارس الأونروا الثمانية، التي توفر التعليم لما مجموعه 5,900 طفل، من مسلحين ولحقت بها أضرار بالغة. وتم نهب المواد وتحويل مجمعي المدارس إلى قواعد للمسلحين أنفسهم”. وتساوي الوكالة بين “المسلحين” من دون تسمية الأمور بمسمياتها، وهنا علامة استفهام واضحة لأن الوكالة تقدم مساعدات اجتماعية الى المطلوبين للعدالة بتهم مختلفة، ويمكن تفهم أن بعضهم مظلوم وكذلك غالبيتهم لديها عائلات ويجب التكفل بها، لكن أليس دعم مطلوبين للقضاء يعزز من بقائهم واستمرار نفوذهم؟ أم أن اسلوب التهديد والوعيد منهم يُرغم المؤسسة الدولية على مخالفة القانون؟ ويبدو أن “القانون الدولي” يساوي بين القاتل والمقتول، فسبب الاشتباك هو عملية اغتيال قائد الأمن الوطني في صيدا أبو أشرف العرموشي ورفاقه، وكانت مدرسة تابعة للوكالة مصدر اطلاق النار. وعليه لم تقدم ادارة “الأونروا” توضيحاً حول كيف دخل المنفذون الى مقر لها؟ وحُكي أنهم اقتحموا المدرسة عبر نسخة من مفاتيح المدارس كانت بحوزتهم.
أما النقطة الأخرى وما أثبتها تقرير لجنة التحقيق فهي أن “الأونروا” طلبت من العرموشي ازالة كاميرات رصد ومراقبة كانت تكشف مجمع المدارس، قبل عملية الاغتيال بأيام قليلة. ومع ذلك لم ترد مديرة شؤون “الأونروا” في لبنان دوروثي كلاوس، على هذه الملاحظات أو الاتهامات، لكنها تقول في البيان نفسه إن “أياً من مدارس الأونروا الثماني لن تكون متاحة للأطفال في بداية العام الدراسي الجديد. لقد كانت الأضرار كبيرة والنزاع في المخيم لم يتم حله. ومع استمرار المقاتلين في احتلال مدارس الأونروا، فإنها لا تزال غير آمنة للغاية ومحظورة على أطفال المدارس… ولذلك تقوم الأونروا بإعداد مواقع مدرسية بديلة خارج المخيم. ومن أجل استضافة آلاف إضافية من الأطفال، فإن هذا يتطلب تحسين المرافق وتعديلها، وتأمين التعلم الكافي والدعم النفسي والاجتماعي للجميع”. وعند دراسة البدائل، كان اقتراح السيدة كلاوس نقل التلاميذ ومعلميهم الى خارج المخيم. طبعاً خطوة كهذه مكلفة وغير آمنة أيضاً. ولو لم يتدخل الجيش اللبناني ويرفض الاقتراح لكانت السيدة كلاوس فرضته على التلاميذ وأهاليهم والفصائل بحجة العام الدراسي وأولوية التعليم. وهنا لا بد من السؤال: لماذا لا تلجأ السيدة كلاوس الى الضغط على الجميع لايجاد حل منطقي أكثر داخل مخيم عين الحلوة، أو اللجوء الى التعليم الالكتروني كما حصل أثناء جائحة كورونا؟ ولكن التسرع في اللجوء الى قرارات لا تلحظ السلبيات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية للتلاميذ وذويهم، سيولد في النهاية تفريغ المخيم من خدمات الوكالة، ونتمنى ألا يكون مقصوداً.
في المحصلة، يبدو أن السيدة كلاوس لديها مهمة واحدة وهي انهاء خدمات الوكالة ونقلها الى جميعات دولية أخرى وأهلية ومحلية وهذا أعلنه سابقاً مفوض “الأونروا” فيليب لازاريني، ليعود ويتراجع. ويتضح أن جهات نافذة تسيطر على قرارها وخطواتها، إن كان الجهات المانحة أو داخل السُلم الاداري ليصل الأمر الى مسألة التوظيف. فقبل أيام أبلغ أحد المتقدمين لوظيفة مدير مدرسة أنه الوحيد الناجح قبل أن تصدر النتائج، ليتضح أنه يتبع جهة مؤثرة داخل الوكالة وتمكنت من ترقيته على حساب زملاء آخرين له. وللأسف، لم تعد هناك معايير واضحة لسياسات “الأونروا الداخلية” وكذلك لتقديم خدماتها.
وبالعودة الى مأزق العام الدراسي في مخيم عين الحلوة، مما لا شك فيه أن مجمع المدارس سيعود الى “الأونروا” ويُعاد ترميمه ويعود التلاميذ إلى صفوفهم. لكن على السيدة كلاوس، معرفة أن خطتها التي تبدأ بـ”بصمة العين” للاجئين لأسباب أمنية استخباراتية، لن تمر كما يُخطط لها، ويمكن لها أن تسأل من سبقها في هذا المنصب، لأن قضية اللاجئين باختصار سياسية في المقام الأول وليست خدماتيه واغاثية فقط. وحين تختلط أوراق السياسة الدولية والاقليمية تتغير المشاريع ومنها مشروع كلاوس.