لا يعرف طعْم الإنتصار الّا أبناء أرض حدودها تقع بمحاذاة كيان غصَب أرض فلسطين المحتلّة عِنْوة،أمام أعيُن كلّ الأمم،ولم يكتفِ بذلك بل تمادى،ليحتلَّ جزءًا من أراضي الدّول المجاوِرة،في سلسلة من انتهاكات و جرائم مُروّعة لا زال مرُّها منْطبعًا،لا يفارق ذاكرتنا.
إلى كلّ مَن يتبجّح ويعتلي منْبر المسرح الإستعراضي الإعلامي اليوم لِيهزَأَ بالإنتصارات،معتبرها وهميّة،نقول نحن من جنوب لبنان الّذي كان يقع ضمن تلك المناطق المحتلّة:أنت لو وقفْتَ يومًا فقط لساعات طويلة أمام ما كان يُسمّى”بالمعْبر” ليسمح لك هذا العدوّ وقد لا يسمح أن تزور عائلتك وأحبابك القاطنين تحت سَطوته،في عديد من بلدات و قرى لبنانيّة كانت تُعرف باسم”القرى الحدوديّة”،لَتذوّقْتَ حُلوالإنتصار عند التّحرير.هذا بالحدّ الأدنى،ناهيك عن تفاصيل يرويها لنا الآباء و الأجداد:مِن ذلّ و هَوان واستباحة،أراحَنا الله منها بِحمده و نصره.
أمّا لو كنْتَ تسكن في القرى الأماميّة المواجِهة لِقُرانا المحتلّة،والّتي اتّخذ العدوّ الصّهيوني تلالَها المُشرِفة على مُجمل المنطقة مقرًّا لعناصره المدجّجة بالأسلحة،لمواجهة أيّ عمليّة عسكريّة مُتواضعة(في تلك الفترة) لشبّان المقاومة،لتبدأَ مدفعيّاتهم قصفًا عشوائيًّا،و ترهيب و ترعيب في اللّيل أم في النّهار و مآسٍ عِظام،ما زالَت أعيننا:لَجرعْت عَذب الإنتصار متى أصبح بإمكانك أن تنام “قريرَالعيْن”.
ماذا لو استفقْتَ على عمليّة”السّبعة أيّام” أو”تصفية الحساب”حسب تسمية الصّهانية عام ١٩٩٣أو”عناقيد الغضب” عام ١٩٩٦، الّتي قُصفت بها جميع قرانا بطائرات حربيّة وقذائف مدفعيّة،راح ضحيّتها أبرياء و أطفال لا زال أنينَهم وحسْرة عائلاتهم في آذاننا.غاية هذه الحروب كانت فقط للقضاء على المقاومة آنذاك و حفظ أمن العدوّ على المدى الطّويل:لاعتليْتَ المِنبر و قلْتَ رحِم الله أرواحًا روَت أرض هذا الوطن بدمائها،ليبقى”شعب الشّعوب” ومعه الجنوب قلعةً للصّامدين والمحوّلين حلُم العدوّ كابوسًا يعكّر صفْو نومهم.
أمّا وقد استدرك ذلك المستوطن تعاظُم قوّة المقاومة عام ٢٠٠٦ وافتعلَ حربًا أشبَه بالإعصار وفي غاية الإجرام، دامت ثلاثة و ثلاثين يومًا،وما عجزَ الشّباب المقاوم عن الصّمود حتّى آخر نفس.هنا الحُجّة التي تقطع الشّكّ بيقين النّصر في ذلك الحين،هي عودة النّازحين إلى ديارهم،لحظة إعلان قرار وقف العمليّات العسكريّة،إيمانًا منهم بقوّة المقاومة و جدارتها بالثّقة.و ها هو العدوان مضى عليه أكثر من عشر سنوات ولم يتكرر بعد،وذلك نتيجة فرْض معادلات بالقوّة الرّدعيّة عند المقاومة.و تسأل أين النّصر والعزّة!!؟جوابنا لك:إنّك لو تابعْت تلك الأحداث الموثّقة في الأرشيف،بتجرّد ووطنيّة،لَقلْتَ على الملأ “أرقدْ بسلام يا طير الجنوب” مع مَن سبقَكَ وخَلَفَك،دفاعًا عن أرضه ووطنه وناسِه،ولَرأيْتَ النّصر يحيط بك من كلّ جانب.نحن لم نذكر الا قليل من كثير في مشوارنا الشّائك مع هذا العدوّ،فإذا أكملْنا السّرد،لَتمنّى المِنبرَ الذي تبخّس عبره هذه البطولات،أن ينطقَ لِيرجُوَكَ أن تحفظَ ما تبقّى له مِن شرف المهنة الصّحفيّة التّبيينيّة.
وجئْتَ اليوم في قراءة عبثيّة لتاريخ صراع طويل بين الأمّة العربيّة و هذا العدوّ،الذي يسيطر بالقوّة مع مَن خلْفه على خيرات أكبر الدّول العربيّة(للأسف) والتي تفوق لبنان مساحةً و قوّة و أموالًا بمئات المرّات مقابل استباب الأمن لديهم و عيشهم برخاء مِن ثروات هي لهم أصلًا. وفي هذه الزّحمة استطاع”لبنان” أن يفاوضَ ويُملي على مَنْ لا يُملي عليه أحد ليأخذ حقّه .نراكَ تهلّل مُفلِسًا لِكذبة التّطبيع،على اعتبارأنّ القسم الآخر لِفلسطين وليس لإسرائيل: مُخجلٌ هذا التّحليل،فالآن استفاقت النّخوة العربيّة تجاه فلسطين التي لم يتكلّم أحدًا بقضيّتها و حقّها المغصوب سوى قادة المقاومة على طول سنين؟؟وبالمناسبة إذا أردْت أن تثبتَ العكس،لنذهبْ جميعًا لاسترداد فلسطين العزيزة و تحريرها،فهي قلب العروبة الجريح وحبّنا الذي لن يعرف يأسًا.
نعم “المهمّة أُنجزت” في لبنان وانتصرنا بعد تاريخ جهاديّ طويل ولولاه لكانت هذه الثّروة استُبيحت من العدوّعلى عادته واللبناني في موقع المتفرّج.و مَنْ يسخر من هذا النّصر ويعتبره وهمي،ربّما هو كائن من أصحاب التّبعيّة العمياء للغرب،وما التّبعيّة سوى إحساس المُتّبِع بالدّونيّة تجاه المتَّبَع،وهو أيضًا مهزوم نفسيًّا ويحتاج وقتًا طويلًا للتّحرّر من هذا الشّعور المسيطر على عقله وروحه وعليه أن يحرّرَ نفسه ويثق بقوّته ثمّ يمضي قُدمًا،لِيستطيعَ بعدها أن يميّزَ بين أنواع النّصر و طرق الوصول إليها.