الجمهورية- عماد مرمل
شهر كامل سيكون أمام السياسيين لقضاء إجازة الصيف او ربما للقضاء على ما تبقّى من هيكل الدولة، في انتظار ان يطلّ أيلول حاملاً معه «الاختراع» الفرنسي الجديد لجمع اللبنانيين.
تشاطر الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان على القاموس، مروّجاً خلال لقاءاته مع القيادات اللبنانية لمفهوم التشاور او طاولة العمل بدل طاولة الحوار التي باتت تتسبب بحساسية لدى البعض في الداخل، وهو كان حريصاً في مداولاته على التفريق بين الأمرين.
لكن، وبمعزل عن المصطلح، فإنّ الجوهر واحد، وهو انّ لودريان دعا القوى الأساسية الى التلاقي برعايته شخصياً في بيروت خلال أيلول المقبل، للبحث في مواصفات رئيس الجمهورية المقبل وبرنامج ولايته، ليتمّ إسقاطهما على الاسم المناسب.
واللافت انّ لودريان شطب شهر آب من الروزنامة السياسية وقفز فوقه، ما يعني انّ هناك 30 يوماً إضافية ستُرمى حُكماً في سلّة المهملات والإهمال، وستُضاف إلى رصيد الوقت الضائع في رحلة البحث عن الرئيس، علماً انّ كل دقيقة لها أهميتها وقيمتها في هذه المرحلة المثقلة بالأزمات والتحدّيات.
وليس معروفاً ما إذا كانت ورشة العمل في أيلول ستنجح اصلاً في مهمّتها، خصوصاً انّ كل طرف سيعتبر انّ مرشحه هو الأكثر انسجاماً مع المواصفات المفترضة والبرنامج المطلوب، وبالتالي فإنّ النقاش سيعود بعد اللفّ والدوران إلى مربع الإسم حيث تفترق الخيارات جذرياً.
وليس واضحاً كذلك كيف ستتمّ الدعوة عقب جولة المشاورات إلى جلسات انتخابية مفتوحة، كما يلحظ الاقتراح الفرنسي، في حال لم يكن قد سبقها حدّ أدنى من التوافق على مرشح، خصوصاً انّ فلسفة الجلسات المتتالية تعني انّ المرشح سيفوز بعد الدورة الأولى بـ 65 صوتاً او اكثر بقليل، الأمر الذي سيطرح عليه تحدّي القدرة على الحكم وتشكيل حكومة بهذه الأكثرية الضئيلة، فيكون قد ربح الرئاسة وخسر العهد.
وبغية إعطاء الطرح الفرنسي قوة دفع ونوعاً من «الوهرة»، هدّد لودريان خلال اجتماعاته بأنّ اقتراحه يشكّل «الفرصة الأخيرة»، ما أزعج إحدى الشخصيات التي التقت به، معتبرةً انّه «لم يكن جائزاً أن يخاطبنا بهذه اللهجة التي تنطوي على تهويل، ولا أن يجمع الصالح والطالح في خانة واحدة»، ولافتة إلى انّ التجارب أثبتت ان ليست هناك فرصة أخيرة في لبنان الذي يعود في كل مرة من الهاوية، وإن تأخّر الوقت أحياناً بسبب الكيد او النكد السياسي، وبالتالي المطلوب من لودريان ان «يطوّل باله علينا».
وتلفت الشخصية الممتعضة إلى انّ الرئيس مانويل ماكرون زار شخصياً لبنان مرتين بعد انفجار المرفأ وطرح مبادرته الشهيرة التي لم تسفر عن نتيجة ولكنه لم ينكفئ، «ولذلك لا يصح إطلاق مواقف قاطعة ويجب التعامل بواقعية مع الوضع اللبناني المعقّد».
وتشير الشخصية إيّاها الى انّ المحك الحقيقي لا يكمن في مواصفات الرئيس أو برنامج ولايته الذي صار جوهره الإصلاحي واضحاً ولم يعد اختراعاً للبارود، وإنما يتمثل في اختيار الشخص الملائم الذي يملك حقاً ارادة الإصلاح والقدرة على تطبيقه.
ووفق انطباعات الشخصية إيّاها، فإنّ السعودية نجحت في استعادة المبادرة وإعادة ضبط التحرّك الفرنسي على إيقاع معاييرها، مشيرة الى انّ تشديد لودريان على المواصفات والبرنامج ينسجم مع الموقف السعودي الأساسي حيال الاستحقاق الرئاسي.
وتعتبر تلك الشخصية انّ الرياض باتت لاعب الظل الأقوى في الملف الرئاسي، «إذ انّ إيران وسوريا لا تريدان حصول اي مشكلة جديدة معها بعد المصالحة التي تمّت بينهما وبينها، وفرنسا لديها مصالح اقتصادية معها، ولبنان يعوّل على مساعداتها في المستقبل، اما هي فإنّها تنتظر من سيُنتخب حتى تبني على الشيء مقتضاه».