الجمهورية- عماد مرمل
ترك الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، هزّات ارتدادية سياسية في لبنان الواقع على «فالق» نزاعات داخلية حادة، حيث تحولت الكارثة مناسبة للإيغال في الاصطفافات المعروفة، بدل ان تكون حافزاً لتغليب العامل الإنساني على كل ما عداه.
واحدة من هذه «الهزّات» الجانبية اتخذت بُعداً يتعلق بالمعركة على رئاسة الجمهورية، بعد تغريدة نشرها رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية عبر «تويتر»، تضمنت الآتي: «كل العزاء للدول والشعوب التي تضرّرت جراء الزلزالين، الرحمة للضحايا والشفاء للمصابين».
وعلى الفور، أصبح هذا الموقف جزءاً من مواد المعركة الرئاسية وذخيرتها، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ارتفعت اصوات تتهم فرنجية بأنّه تعمّد ان يتفادى تسمية سوريا في معرض تضامنه مع ضحايا الزلزال الذي أصابها، وذلك ربطاً بحساباتٍ رئاسية ولمسايرة خصوم دمشق الإقليميين والدوليين، الذين قد يكونون مؤثرين في تحديد هوية من سيشغل كرسي قصر بعبدا.
وهناك من ذهب إلى إجراء مقارنة بين ما صدر عن فرنجية وبين تغريدة لرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، اعتبر فيها انّ «الزلزال الذي ضرب سوريا يستوجب تضامناً إنسانيا معها، يبدأ بفك الحصار عنها وفتح الحدود امام وصول المساعدات، فلا قانون يمنع تقديم العون لشعب في خطر».
وقد انطلق معارضو فرنجية من هذه المقارنة ليأخذوا عليه انّه تنصّل من تحالفه مع دمشق والرئيس بشار الأسد بسبب الطموح الرئاسي، وليستنتجوا بأنّه أخفق في عبور اول اختبار حقيقي يخوضه كمرشح.
لكن» الجمهورية» علمت انّ رئيس «المردة» سليمان فرنجية أجرى في فجر يوم الزلزال، (بعد وقت قصير من وقوعه) اتصالاً هاتفياً بالرئيس السوري بشار الأسد، متضامناً معه ومستفسراً منه عمّا جرى، علماً انّ الصورة حينها لم تكن مكتملة، وبالتالي لم تكن معالم الكارثة قد اتضحت بعد.
ويؤكّد داعمو فرنجية انّ احداً لا يستطيع أن يزايد عليه في شأن علاقته مع سوريا والرئيس الأسد. لافتين إلى انّ بإمكان من يشاء المزايدة ربما في كل شيء إلّا في تلك المسألة تحديداً، «إذ من المعروف بأنّ فرنجية لم يترك الأسد في أصعب الظروف، وكان يزوره بوتيرة شبه شهرية في عزّ الحرب على سوريا، انعكاساً لقناعة مبدئية لديه بوجوب الوقوف إلى جانب الدولة السورية ورئيسها، في حين تنكّر لها وتخلّى عنها الكثيرون، وبالتالي عندما قاطعها أغلب العالم ومعظم القوى الداخلية، كان طرفان يجاهران بمساندتها هما «حزب الله» ورئيس تيار «المردة»، ولذا على المصطادين في الماء العكر ان يخيّطوا بغير هالمسلّة».
ويلفت مناصرو رئيس «المردة» إلى انّ فرنجية جاهر من بكركي قبل ايام بخصوصية علاقته مع سوريا و»حزب الله»، «انطلاقاً من كونها إحدى عناصر قوته وليس العكس»، معتبرين انّ «مونته عليهما وثقتهما فيه تسمحان له، في حال جرى انتخابه، بأن يحصل منهما على ما يفيد لبنان ويخدم مصالحه العليا».
ويؤكّد المتحمسون لفرنجية، انّ ما يربطه بالأسد اكبر من ان يُختزل بتغريدة لا تحمل بالتأكيد أي دلالات سياسية او حسابات رئاسية، «بل هي إبنة لحظتها وأتت بشكل عفوي وتلقائي، قبل أن يتضح حجم الكارثة التي ألّمت بالشعب السوري».
وتلفت الاوساط الداعمة لفرنجية، إلى انّه وعقب تكشّف فداحة الفاجعة، بادر إلى الاتصال برئيس الحكومة السورية لتقديم التعزية بجرحه الشخصي والجرح العام. كذلك نشر ابنه النائب طوني فرنجية تغريدة واضحة في التضامن مع الشعب السوري والدعوة إلى رفع الحصار عنه.
وتشير الاوساط المؤيّدة لفرنجية، إلى انّ «الرجل الذي لم يتخلّ عن سوريا وقيادتها خلال الحرب الشرسة التي تعرّضت لها، لن يفعل ذلك حتماً في ظرف إنساني مؤثر، تسقط امامه اصلاً كل التفاصيل السياسية. وهو في كل الحالات لا يحتاج إلى إجراء امتحان او فحص دم في ما خصّ علاقته بدمشق، خصوصاً انّه يُعرف أساساً بوفائه الثابت للصديق والحليف، بمعزل عن موازين القوى والاستحقاقات السياسية».
ويستغرب المتحمسون لفرنجية كيف انقلبت الدفة بين ليلة وضحاها من اتهامه بالتحالف مع سوريا إلى اتهامه بالتبرؤ منها. متوقعين ان يستغل خصومه كل فرصة ممكنة للتصويب عليه، «كونه الإسم الأكثر قابلية لتولّي الرئاسة واسهمه آخذة في الارتفاع، وهو الامر الذي يدفع البعض إلى ان يحصي عليه أنفاسه ويضعه تحت المجهر، لاصطياد اي تفصيل يمكن أن يفيد في معركة منع وصوله إلى قصر بعبدا».
ويشدّد داعمو فرنجية، على أنّ قناعاته الثابتة لا تلغي في الوقت نفسه إيمانه بضرورة البحث عن قواسم مشتركة مع أصحاب الرأي الآخر، وحتى مع أشدّ الخصوم، «ذلك أنّ من واجبه، اولاً كمدرك لقواعد الصيغة اللبنانية، وثانياً كمرشح جدّي إلى رئاسة الجمهورية، ان يبدد أي هواجس محتملة، وان يُطمئن الآخرين إلى انّ انتخابه، إذا تمّ، لن يكون إنتصاراً عليهم، ولو انّه ينتمي إلى خط استراتيجي واضح. وهذا ليس تلوناً في الطرح بل واقعية في المقاربة».
ويؤكّد هؤلاء، انّ فرنجية سيقف، كرئيس محتمل، على مسافة واحدة من الجميع، من دون أن يتنكّر لثوابته الاستراتيجية. مشيرين إلى انّ مسؤولياته كرئيس للجمهورية تستوجب منه الانفتاح على الكل بلا استثناء.
واستناداً إلى هذه القاعدة، يعتبر مناصرو فرنجية، انّ من واجبه أيضاً، اذا أصبح رئيساً، معالجة أزمة بعض دول الخليج مع لبنان، واستخدام علاقاته في هذا الاتجاه. مستغربين محاولة إدراج تغريدته في خانة إرضاء الخليجيين، «إذ أنّه لا مبرّر ليتصرّف على هذا النحو ما دام انّ معظمهم قد أعاد اصلاً مدّ الجسور نحو دمشق بشكل او بآخر، وهناك اتصالات سعودية معها على أكثر من مستوى. اما الأميركيون فالمؤشرات تفيد بأنّهم لا يضعون فيتو على اسمه، وبالتالي ما من سبب يضطره إلى أن يكون «محروقاً» من أجل كسبهم في صفه».