كتب درويش عمار في “اللواء”:
لما كانت مقولة «اسمع تفرح، جرّب تحزن» تنطبق على المشهد اللبناني برمّته في هذه الأيام يبقى مصير لبنان واللبنانيين كل اللبنانيين معلقاً كالمريض «المتعلق بحبال الهوا».
الخميس في السادس من شباط وما أدراك ما ٦ شباط لما له من ذكرى ما زالت محفورة في عقول ونفوس اللبنانيين، وكأني بالرئيس المخضرم في عالم السياسة والتشريع «أبو مصطفى» قد أراد بحنكته السياسية وبموقفه الصارم أن يقول ويؤكد للجميع ان لعبة تشكيل الحكومات في لبنان لا ولن تمرّ إلّا بالتوافق والاتفاق بين كل الأطراف المعنية بهذا الشأن من أعلى الهرم على أدق التفاصيل، بدءاً بتسمية الحكومة العتيدة مروراً بأسماء الوزراء الجدد والحقائب المسندة إليهم واحداً واحداً وسيدة سيدة وانتهاءً بالبيان الوزاري بفحواه بالشكل والمضمون وأخيراً وليس آخراً بثقة المجلس النيابي لحكومة الرئيس نواف سلام مع إنهاء كل تلك المسيرة بمطرقة الرئيس بري وعبارة «صُدّق».
أما كيف ولماذا تسمّر كل اللبنانيين أمام شاشات التلفزة ووسائل الإعلام بعد ظهر الخميس المنصرم بإنتظار تصاعد الدخان الأبيض من قصر بعبدا والإعلان عن مراسيم الحكومة الجديدة من قبل الأمين العام لمجلس الوزراء، ذلك لأن الكل في لبنان لا بل في كل دول المنطقة والعالم كان ينتظر بفارغ الصبر صدور مراسيم تلك التشكيلة بما لها وما عليها علّ وعسى أن ينطلق معها القطار بالخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل والانطلاق بمهمة إنقاذ لبنان من كبوته على جميع المستويات ومختلف الصعد.
في تلك اللحظات، وكلما أطلّ مذيع من هنا ومذيعة من هناك بخبر عاجل من قصر بعبدا كانت القلوب تخفق والأصوات تخفت والعيون تشخص الى الشاشات بانتظار اللحظة الحاسمة في هذا السياق.
إلّا انه وبعد انتظار لأكثر من ساعتين لانتهاء اللقاء المنعقد بين الرؤساء عون وبري وسلام، فوجئ الجميع بخروج دولة الرئيس «أبو مصطفى» من الباب الخلفي للقصر كما دخل إليه، فيما خرج بعده بحوالي عشر دقائق الرئيس المكلف سلام دون الإدلاء بأي تصريح عائداً الى منزله في قريطم خالي الوفاض، بينما تحسّر الرئيس جوزاف عون وكل مواطن لبناني من كبيره الى صغيره بعد أن خاب أمله وضرب الأخماس بالأسداس نادباً حظه على ما حلّ به وما وصل إليه في بلد الأرز لبنان رغم كل المخاطر والمجازر والخراب والدمار، ناهيك بالجوع والعوز والفقر والمرض وفَقد مئات لا بل آلاف الشهداء والجرحى والأسرى جراء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان حيث لا يزال خطره محدّقاً بكل منطقة أو قرية أو مدينة من دون استثناء، لا سيما في الجنوب الذي عانى ما عاناه حتى الآن من أثر لتلك الحرب المشؤومة.
مرة جديدة نعود الى مقولة «اسمع تفرح، جرّب تحزن»، فمنذ انتخاب الرئيس العماد جوزاف عون وخطاب القسم الذي ترك ارتياحاً عارماً لدى جميع اللبنانيين لما للرجل من رصيد كبير عند اللبنانيين ومن خلال تجربته الطويلة كقائد للجيش أضف الى ذلك مناقبيته العسكرية ومسيرته الوطنية التي لا يختلف عليها اثنان، وأثر تكليف الرئيس نواف سلام بتشكيل الحكومة العتيدة بعد مخاض عسير ومفاوضات واتصالات ولقاءات وأخذ ورد بين مختلف الأطراف والأحزاب والجهات السياسية في البلد تفاءل الجميع بالخير أضف الى ذلك الدعم والاهتمام الإقليمي والدولي بلبنان بدءاً من إعادة فتح السفارات العربية والأجنبية التي بقيت مقفلة لسنوات خلت، مروراً بإعادة تسيير رحلات جوية من والى لبنان من جديد من قبل شركات طيران عربية وأجنبية وانتهاء بالزيارات المتتالية لقادة ومسؤولين عرب وأجانب الى هذا البلد والتي شكّلت علامة فارقة في هذا الإطار خاصة لجهة الحاضر والمستقبل فيه.
وعلى طريق تفاءلوا بالخير تجدوه، بدأ الجميع يمنّي النفس بالازدهار والخير الوفير والأمن والاستقرار الذي هو آتٍ لا محالة، إلّا انه وبسحر ساحر وبأسرع ما كنا نتصوّر عادت الأمور الى نقطة الصفر على صعيد تشكيلة حكومة الرئيس المكلف سلام، أما كيف ولماذا حصل كل ذلك فلأنه وبصريح العبارة وانطلاقاً من وضع النقاط على الحروف، ان الأمر يعود الى الغرائز والمطامع والأهواء والمغانم التي لا يزال الكثير من السياسيين والأحزاب والتيارات والزعماء والقيادات تعمل ليل نهار لإقتسام الجبنة في ما بينها وتوزيع الحصص والمكاسب ضاربة بعرض الحائط مصلحة لبنان العليا والشعب اللبناني وكأن شيئاً لم يتغيّر في البلد رغم كل ما حدث ويحدث من مآسٍ ومعاناة تواجه كل اللبنانيين من كل حدب وصوب.
أما العتب كل العتب ونقولها بكل تجرّد ومحبة وإخلاص واحترام للرؤساء الثلاثة: عون، بري وسلام، انكم وأنتم الذين أؤتمنتم على مصير لبنان واللبنانيين وقدّمتم الوعود البرّاقة لإعادة لبنان وجعله «جنة النعيم» في حين انه عندما جدّ الجد ودقّت ساعة العمل لتنفيذ خطاب القسم بحذافيره، كما من خلال وعود الرئيس بري بتسهيل مهمة العهد الجديد والرئيس المكلف سلام والتخلّي عن مقولته الشهيرة «عالسكين يا بطيخ» للتفرغ الى مواجهة تحديات العدوان الإسرائيلي بالطرق الدبلوماسية والأخرى المتاحة تمهيداً لإطلاق صفارة إعادة الاعمار لا سيما في الجنوب والضاحية وبيروت وسائر المناطق اللبنانية الأخرى، وأيضاً من خلال مواقف الرئيس سلام بالتمسّك بالمعايير الأربعة التي أعلن عنها في أكثر من مناسبة ومن منبر بعبدا بالتحديد، والذي أكد انه متمسّك بها حتى آخر نفس وفقاً لصلاحياته الدستورية مما أوحى ان الرجل قادم لتصحيح البوصلة ومحاربة الفساد والعمل على إعادة أموال المودعين والقضاء على كل الموبقات التي تسيء للبنان وشعبه حيث وصل اقتصاده وماليته العامة الى الحضيض، مستنداً الى الدعم المحلي والإقليمي والدولي من دون حدود، إلّا ان يوم الخميس الماضي على ما يبدو تمّت فرملة الأمور حتى إشعار آخر، مع سؤال كبير الى متى سيستمر الوضع على هذا الحال ليبقى في ثلاجة الانتظار، وربما قد يأتي الترياق كالعادة من خارج الحدود بالتزامن مع زيارة الموفدة الأميركية الى لبنان مورغان أورتاغوس وهي خليفة هوكشتاين والمولجة بمتابعة الملف اللبناني (على الرغم من تصريحاتها النارية والتي تركت استنكاراً واعتراضاً لدى الكثيرين من اللبنانيين). ومع كل ذلك لا نزال نعيش تحت وطأة الضغوط الدولية على لبنان وعلى قاعدة «اسمع تفرح، جرّب تحزن».
أما وقد دخلنا في البلد الى هذا المأزق الخطير نتمنى ونرجو صادقين أن لا يدخل لبنان في غياهب المجهول من جديد خاصة بالنسبة لتشكيل الحكومة الجديدة، كما نتمنى أن لا يصل الأمر بالرئيس سلام الى الاعتذار لأننا بتنا في سباق مع الوقت والزمن الذي لا ينتظر ولا يرحم أحداً خاصة المتقاعسين عن حماية وصون لبنان من أي سوء أو أخطار أو مكروه لا سيما من قبل العدو الإسرائيلي الذي يتربص دوماً شراً بلبنان، وبالتالي أن لا تتكرر تجربة السفير مصطفى أديب الذي أُنهك في حينه من قبل الطبقة السياسية ومن مختلف الأطراف والأطياف بعد ان وضعوا له آلاف العصي وآلاف الدواليب فاعتذر الرجل بكل لباقة وهدوء وفي الوقت المناسب عائداً الى البعيد وكأني به أراد أن يقول ليس الشيطان يكمن في التفاصيل إنما التفاصيل كلها تكمن في عقول ونفوس أولئك الشياطين الذين يحكمون ويتحكمون بمصير البلاد والعباد ويسرقون أموال الناس المودعة في المصارف دون رحمة أو عدالة أو حد أدنى من مخافة الله على أن لا تودي تجربة الرئيس المكلف نواف سلام به أيضاً الى الاعتذار وبالتأكيد عندها قد لا ينفع لا «مبيض وجوه ولا مبيض طناجر» حيث نختم بالقول «بيّض الله وجوهكم أيها اللبنانيون جميعاً، وسوّد الله وجه كل من يريد شرّاً بلبنان»، وما على الرئيس عون والعهد الجديد إلّا أن ينفذ خطاب القسم بما له وما عليه مع الأخذ بعين الاعتبار في نهاية المطاف ان لغة الكلام يجب أن تعود من جديد الى كل من «أبو مصطفى والرئيس نواف» بيّض الله وجههما في الدنيا والآخرة والى أبد الآبدين.