كتب محمد بلوط في “الديار”:
ثمة اسئلة معقدة وصعبة مطروحة حول مرحلة ما بعد سقوط النظام السوري وتداعياته ليس على سوريا فحسب بل ايضا على المنطقة لا سيما دول الجوار ومنها لبنان.
الاجوبة على هذه الاسئلة هي ايضا صعبة في الوقت الحاضر، وتحتاج الى بعض الوقت لانقشاع المشهد بصورة عامة، خصوصا ان ما حصل جاء مفاجئا وسريعا بحيث تجاوز ما كان يرسم من تسويات قبل اندلاع المعركة الاخيرة.
يقول مصدر سياسي ان هناك حاجة لمراقبة التطورات المتسارعة لكي تنقشع معالم تداعيات هذا الزلزال الذي لاتقتصر نتائجه على سوريا فحسب بل تصيب المنطقة باسرها. وهناك خشية حقيقية من لعبة تقاسم النفوذ التي ظهرت ملامحها قبل وخلال هذا الحدث الكبير، لا سيما بين تركيا والولايات المتحدة الاميركية وإسرائيل.
وتتقاطع هذه اللعبة على تحديد سقف للدولة السورية وتحويلها بشكل او باخر الى كيان فيدرالي تحت اشراف انتداب مكشوف يحاكي مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي بشر به رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو من نيويورك.
ويشير الى ان التحدي الكبير برز ويبرز في مسارعة العدو الاسرائيلي بشكل سافر ومعلن الى فرض واقع جديد يتجاوز ويطيح القرارات والاتفاقيات الدولية ووقف النار مع سوريا، مشيرا في هذا المجال الى ما قامت وما تقوم به منذ سقوط النظام السوري من اجتياح للاراضي السورية بعمق ١٤ كيلومترا وشن عشرات الغارات وتدمير البنية العسكرية لسوريا ومقوماتها من طائرات حربية وصواريخ استراتيجية ومتوسطة ومصانع صواريخ واسلحة ورادارات وغيرها، بالاضافة الى احتلال مواقع استراتيجية في جبل الشيخ.
ويقول المصدر ان تصريحات نتنياهو وقادة العدو تؤكد ان ما قام به الجيش الاسرائيلي ليس مؤقتا ولا يرتبط بحماية الجولان من مخاطر المجموعات المسلحة التي سيطرت على مقاليد السلطة في سوريا، وانما يندرج في اطار المطامع الاسرائيلية، او في احسن الاحوال استخدام اسرائيل هذه الورقة في التفاوض من اجل فرض شروطها لتجريد سوريا من كل مقومات وعناصر القوة وتحويلها الى كيان ضعيف وضمها الى نادي التطبيع.
صحيح ان الجماعات المسلحة التي تقودها هيئة تحرير الشام والقوى السياسية التي تستند لها ما تزال في مرحلة ترتيب اوضاع سلطتها، الا انالتزامها الصمت حيال الاعتداءات الاسرائيلية الواسعة يطرح علامات استفهام كبيرة حول موقفها من التهديد الاسرائيلي لسوريا. كما يعزز المخاوف من ان الثالوث الاميركي الاسرائيلي التركي يتقاطع على ضرب الجيش السوري بشكل كامل، وترك الوضع في قبضة الميليشيات المسلحة وفوضى التناحر الداخلي.
والى جانب هذا التحدي الكبير يبرز تحدي اخر لا يقل اهمية يتمثل بمطامع تركيا والثمن الذي تريده في سوريا باعتبارها الراعية والحاضنة والداعمة للقوى التي اطاحت النظام.
ووفقا لقراءة تستند الى تقارير دبلوماسية ودولية، تسعى انقرة بعد الزلزال الاخير الى توسيع نطاق اهدافها من خلال ترسيخ وزيادة نفوذها في سوريا في اطار مشروع السلطنة الاردوغانية الكبير في المنطقة والذي يتجاوز دول الجوار الى المنطقة باسرها كما ظهر جليا بامتداده الى ليبيا.
ويستند اردوغان في توسيع مشروعه الى التدخل العسكري المباشر والى ادارة واستخدام “الجماعات الجهادية الاسلامية” التي ترتكز على فكر الاخوان المسلمين المنافس للفكر السلفي للملكة العربية السعودية الذي يعاد رسمه باعتدال وحداثة بعد تولي ولي العهد محمد بن سلمان مقاليد الحكم فيها.
ويسعى اردوغان الى تحويل سوريا الى دولة ضعيفة تابعة لمشروع سلطنته مؤلفة من ولايات غير معلنة تدور كلها في فلك واحد. ويعمل ايضا على توسيع رقعة السلطة التركية المباشرة على اجزاء شمالية من سوريا.
وليس خافيا على احد ان اردوغان “قوطب” على ترجمة التقارب بين الرئيس الاسد والدول الخليجية العربية بتوقيت هجوم هيئة تحرير الشام وملحقاتها للاستئثار بالورقة السورية قبل تنصيب الرئيس الاميركي ترامب للتفاوض معه على لتقاسم النفوذ في سوريا. كما يسعى في الوقت نفسه الى الحلول محل ايران والقول ان تركيا اصبحت على الحدود مع اسرائيل من خلال الميليشيات التي ترعاها وتوجهها، وانها صاحبة الكلمة الاولى في التعاطي وفرض ايقاعها مع إسرائيل.
وتنظر الولايات المتحدة الى التطورات الجارية منذ المعركة الاخيرة والاطاحة بالنظام السوري بطريقة ايجابية باعتبار انها تخدم استراتيجيتها في المنطقة التي تتمحور حول زيادة هيمنتها بالواسطة وتجنب خوض معاركها بجيشها بل من خلال استخدام او استثمار ادواتها او الجماعات المتطرفة.
وتضع في اولويات اهدافها ايضا تامين مناعة وامن إسرائيل من خلال ضرب المقاومة وتحويل دول المنطقة الى دول ضعيفة مقسمة ومجزأة.
وعلى صعيد تداعيات ما جرى ويجري في سوريا لا يختلف اثنان على ان هناك مخاطر جدية تفرض تحديات كبيرة على دول الجوار اولا اي العراق ولبنان والاردن.
وبرأي الاوساط المراقبة ان رسائل الطمأنة التي وجهها الرئيس الاميركي المنصرف بايدن لهذه الدول لا يمكن الركون لها من دون ردع إسرائيل التي لا تتورع عن الاستمرار في اعتداءاتها على لبنان وتهديد العراق، والمضي في حربها على غزة والتحضير لاجتياح الضفة الغربية.
كما ان هذه الرسائل لا تقلل ولا تحد من مخاطر تسلم الجماعات الجهادية المتطرفة السلطة في سوريا على هذه الدول، خصوصا ان هذه الجماعات تحمل مشروعا انقلابيا يتجاوز سوريا.
وبرأي مصدر نيابي انه بغض النظر عن حقيقة ما يصدر عن غرفة عمليات المسلحين في سوريا بشأن عدم التدخل في شؤون الدول المجاورة، فان لبنان اليوم احوج ما يكون لتعزيز الوحدة الوطنية وتجنب المواقف والشعارات التي تعمق الخلافات.
ويرى ان هناك اولويات لتحصين الساحة تبدأ بانتخاب رئيس توافقي جامع، وان اعادة استحضار الخطاب السياسي الذي ساد في مرحلة الانقسام بين ١٤ و ٨ اذار يهدد بتداعيات خطيرة للغاية.
واضاف ان ما سمعناه وشاهدناه في اليومين الماضيين يعيد مشهد تلك المرحلة، لا سيما ان هناك من يسعى الى احياء فريق ١٤ اذار او “نيو ١٤ اذار ” كما اوحى كلام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع اول من امس، لكن محاولته لا تحظى بموافقة اطراف اساسية كانت مشاركة في الفريق المذكور مثل وليد جنبلاط. كما يفتقد الغطاء السني باعتبار ان سعد الحريري الذي ما زال يملك الكلمة الاولى في الشارع السني رغم تعليق عمله السياسي لا يلتقي معه في كل الاحوال حتى اشعار اخر.