«زحمة» محاكمات في إسرائيل: نتنياهو لا ييأس من النجاة

«زحمة» محاكمات في إسرائيل: نتنياهو لا ييأس من النجاة

كتب أحمد العبد في “الأخبار”:

في انتظار انعقاد محاكمة رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الأسبوع المقبل، بدا إصرار الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على نقل الجلسة من القدس إلى «المحكمة المركزية» في تل أبيب، مثيراً للاهتمام، لا سيما أنّه جاء بذريعة وجود «مخاطر» تحيط بحياة نتنياهو. وتقدّم كل من جهاز «الشاباك» وإدارة المحاكم الإسرائيلية، مطلع الأسبوع الحالي، بطلب إلى المحكمة المركزية في القدس لتغيير مكان المحاكمة، لـ«اعتبارات أمنية» ظهرت على ضوء «دراسة» التهديدات المختلفة المحتملة، بما في ذلك عبر معلومات حصل عليها جيش الاحتلال، وجعلت «الشاباك» يخلص إلى أنّه يجب الامتناع عن عقد جلسات الاستماع لشهادة رئيس الحكومة، في المدة الراهنة، في المحكمة المركزية في القدس، «رغم وجود منطقة آمنة في طوابق المبنى». كما يستند الطلب إلى «مداولات» حصلت بين «الشاباك» وإدارة المحاكم، تمّ خلالها استعراض معلومات «سرية جداً»، تتعلق بوجود تهديدات على رئيس الحكومة وتحديات لإجراءات حراسته.

وجاء ذلك في وقت عاد فيه محامي المتحدث باسم نتنياهو، إيلي فيلدشتاين، المعتقل على خلفية قضية تسريب الوثائق الأمنية، والتي يحمّل نتنياهو فيلدشتاين مسؤوليتها، ليثير القضية مرة جديدة أمس، مؤكداً أنّ «نتنياهو كان على علم بأمر الوثائق ونية تسريبها»، إلا أنّه «يتنصل من المسؤولية عن حدث هو من تسبب فيه»، وكاشفاً أن فيلدشتين قرر «عدم الصمت والتضحية بنفسه من أجل نتنياهو». وسيكون من شأن هذا التطور تعقيد موقف رئيس الحكومة، الذي تقدمت وسائل إعلام بطلب إلى المحكمة الإسرائيلية للسماح لها ببث مباشر لشهادته. وسيبدأ الإدلاء بهذه الشهادة في قاعة محصنة في تل أبيب، في العاشر من الشهر الجاري، فيما لا يزال عدد الأيام التي ستستغرقها محاكمة نتنياهو غير معروف، على أن تحدده احتياجات الدفاع والادعاء، طبقاً لما أفادت به «القناة الـ12» العبرية، التي أضافت أنّ التقديرات تشير إلى أنّ المحاكمة قد تستمر لحوالى 20 يوماً. وفي وقت لاحق، طلب رئيس وزاء الاحتلال من المحكمة المثول أمامها في قضايا الفساد مرتين أسبوعياً، بواقع 4 ساعات لكل جلسة. وبحسب المصدر نفسه، فإنّ نتنياهو، ولدى دخوله المحكمة، لن يكون في وضع «مريح»، وهو ما يفسّر محاولته، طوال الأشهر الماضية، تأجيل المناقشات، علماً أنّه نجح جزئياً في تحقيق ذلك.

ومن هنا، تبقى التساؤلات مطروحة حول إمكانية حصول «مفاجآت» تؤدي إلى تأجيل المحاكمة مجدداً، أو حتى إلغائها من قبل نتنياهو نفسه، خصوصاً أن توصية «الشاباك» وإدارة المحاكم تخدم، على الأرجح، خطة نتنياهو للتهرب. وكان رئيس الحكومة قد تقدم بطلب، في 24 تشرين الثاني، لتأجيل محاكمته في قضايا الفساد، والتي كانت مقررة في الـ2 من كانون الأول، متذرعاً بمذكرات الاعتقال التي أصدرتها «المحكمة الجنائية الدولية» بحقه أخيراً. وطلب محامو نتنياهو، وقتذاك، تأجيل شهادته لمدة 15 يوماً، زاعمين أنّ «طلب التأجيل القصير والأخير والمحدود يتماشى مع مجموعة من الاعتبارات»، من ضمنها أنّ «فريق الدفاع ليس مستعداً لبدء المرافعة»، بسبب القرار «المؤسف» الأخير الصادر عن المحكمة في لاهاي، والذي تسبب «في إلغاء اجتماعات تحضيرية عدة للفريق». على أنّ المحكمة المركزية في القدس وافقت، في 26 تشرين الثاني، بشكل جزئي فقط، على طلب نتنياهو، إذ قررت تأجيل بدء الاستماع إلى شهادته لمدة أسبوع فقط، وليس 15 يوماً، أي إلى الـ10 من كانون الأول.

تشير التقديرات إلى أنّ محاكمة نتنياهو قد تستمر لحوالى 20 يوماً

وتنسحب «الشخصنة» التي طبعت تعامل نتنياهو مع جميع الملفات التي يواجهها، على قضية المحاكمة الراهنة. إذ كشفت صحيفة «هآرتس» العبرية، أخيراً، أنّ رئيس الوزراء يتعرض لضغوط من أفراد عائلته ومقربين منه، لإقالة رئيس «الشاباك»، رونين بار، على خلفية موقفه من المحاكمة. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين كبار في المؤسسة الأمنية لم تسمهم، قولهم إنهم يعتقدون أن الضغوط التي مورست من أجل إقالة بار، وبشكل فوري، تنبع من رفض الأخير تقديم رأي يرضي نتنياهو في هذا الصدد. وسيكون من شأن هذه الضغوط، إلى جانب ممارسات رئيس الحكومة كافة، تعزيز الاعتقاد السائد في إسرائيل بأنّه يستغل الحرب على غزة، ومن قبلها على لبنان، من أجل التهرب من الملاحقات القضائية، علماً أنّ طلبات التأجيل السابقة تضمنت ذرائع على علاقة بـ«انشغاله» بالحرب. وشمل أحد تلك الطلبات تأجيلاً لمدة شهرين ونصف شهر، ما دفع النيابة العامة إلى رفض الطلب، والتأكيد أنّ «أي تأخير إضافي في المحاكمة، يتعارض بشدة مع المصلحة العامة».

على أنّ تهرب نتنياهو من القضايا التي تلاحقه ليس بـ«ظاهرة» جديدة، علماً أنّ أولى جلسات محاكمته كانت في أيار عام 2020، ولم يصدر أي قرار حتى الآن بإدانته، وهو ما سمح له بالبقاء في الحكم. أمّا المفارقة اليوم، فتكمن في «تراكم» القضايا على رئيس وزراء الاحتلال، لا سيما وسط اتهام قادة المعارضة له بالإصرار على مواصلة الحرب في غزة وافتعال الأزمات بهدف التهرب من محاكمته، ومحاولة تحقيق «نصر»، علّه يكون قادراً على إنقاذه من الاتهامات الموجهة إليه والتي تشمل قبول الرشوة والاحتيال وإساءة الأمانة، ويتيح له، بالتالي، البقاء في منصبه. وإلى جانب الاتهامات المتقدمة، بات نتنياهو اليوم ملاحقاً دولياً بعد صدور مذكرة «الجنائية الدولية»، وعُرضةً لانتقادات كبيرة بالتسبب في «طوفان الأقصى» والتقصير السياسي والعسكري خلال عام من الحرب، واتهامات بإلحاق أضرار كبيرة بإسرائيل، أبرزها الفشل في الإفراج عن الأسرى في غزة.

تزامناً مع ذلك، تتناول الصحافة العبرية، منذ أيام، مشاهد من الفيلم الوثائقي «ملفات بيبي» للمخرجة أليكسيس بلوم، والذي يعرض لقطات حصرية للتحقيقات مع نتنياهو وعائلته. واعتبرت صحيفة «هآرتس» أنّ العرض العالمي الأول لفيلم «ملفات بيبي» في «مهرجان الأفلام الوثائقية» في نيويورك، «هو بمنزلة تذكير بأنّ المجتمع الإسرائيلي وصل إلى نقطة انهيار، بلغت ذروتها مع انزلاق المنطقة إلى الفوضى بعد الـ7 من تشرين الأول». وأشارت الصحيفة إلى أنّ الفيلم يقدم نظرة مرعبة على «كواليس نتنياهو ودائرته المقربة، ويُظهر تآكل مؤسسات الحكم في إسرائيل، وفيه يظهر نتنياهو بصورة مختلفة عن تلك التي يظهر بها عادة أصحاب النفوذ، إذ يبدو فاقداً لرباطة جأشه، ويضرب، في إحدى اللقطات، الطاولة، مدّعياً أنه لا يتذكر شيئاً». كما تُظهر مشاهد إضافية نتنياهو وهو يصرخ في وجه المحققين الإسرائيليين، متفوّهاً بعبارات من مثل «يا له من كاذب». وأضافت «هآرتس» أنّ الفيلم يصوّر زوجة رئيس الوزراء سارة، على أنها الشخصية الأكثر تأثيراً عليه، بالإضافة إلى كونها «متقلبة»؛ إذ كثيراً ما كانت تصرخ وتلوّح بيدها وتقلل من شأن المحققين، فيما شبّه ابنهما يائير، من جهته، المحققين بضباط «الغستابو» النازيين.

Exit mobile version