روني الفا: في الجنوب يكتب التاريخ مجددا
القى الكاتب والاعلامي روني الفا كلمة خلال الاحتفال التضامني مع أهل الجنوب في شمع، جاء فيها:
نحن شهودٌ على صناعةِ التاريخ
وليسَ الحدثُ أقلُّ من صناعةِ التاريخ.
الجغرافيةُ تصنعُه معنا..
قُرانا،
بلداتُنا،
جنوبُنا،
شهداؤنا،
دماءُ جرحانا،
انتظارُ الأمهات،
كلُّ شيءٍ في الجنوب
يصنعُ التاريخَ اليوم.
شعبٌ أعزَل
سلاحُهُ عزمُهُ،
إرادتُهُ،
حبُّهُ لأرضِه ولتاريخِه
يواجه بالصُّدورِ العاريةِ
المَكسُوَّةِ بالكرامةِ
أقوى جيشٍ في المنطقة.
امرأةٌ واحدةٌ
بألفِ رجلٍ
ملتحفةٌ بالعَفاف
تقولُ للعدو:
قوِّصْ هي أرضي
قوّصْ هي أرضي
في مواجهةِ فوهةِ دبابةٍ
على بُعدِ أمتارٍ قليلةٍ منها
ثمَّ تضمُّ في كفِّ يدِها
كمشةً مِن حَصى
تواجهُ بها دبابةً
لتستحيلَ يدُها
دبّابَةً
والدبابةُ
كمشةُ حَصى!
هنا يُكتَبُ التاريخُ مجددًا
أيها الإخوة
كما كُتِبَ في الألفَين.
كما كُتِبَ في الألفَين وستِّة
خلفَ العائدينَ جيشٌ بَطَل
ارتقى منه شُهَداءٌ
ونزفَت منه دِماءٌ
وأمامَهُمُ التينُ والزيتونُ
والحقلُ والمسكبةُ
وهناءُ العيش
بعيدًا عن المُحتلّ.
ايها الاخوَةُ والأخوات
هُنا في شمع
كما في كل قريةٍ
وبلدةٍ
ودسكَرَة
التحمتِ
الزُّنودُ بالزِّناد
والأسلِحَة بالأضرِحة
وانبثقَتِ
الحياةُ من الموت
هنا كُتِبَ التاريخ
فَقُتِلَ زئيف إرليخ
مزيّف التاريخ
وعاشَ إبراهيم حيدر
صانع التاريخ
هنا يُكتَبُ التاريخُ
ويُمحى الطاغوتُ والجبروت
هنا تسُرُّنا عودَتُنا
وهناكَ تُحزِنُهُم
هناكَ في مغتَصباتِ الشمال
سَتُخيفُهُم شرفاتِنا من جديد
سَيُقلِقُهُم احتساءُ قهوتنا
وإنشادُنا لأغنيات الانتصار
سَيَتوجَّسونَ من راياتِنا
ويتحسَّسونَ مِن أعلامِنا
ويلعنونَ صلواتِنا
لأنَّ راياتِهِم لعنة
وتاريخَهُم طَعنة
سيسهرون على شرفاتِ غيرِهم
هائفينَ
مُرتابينَ
قَلِقينَ
مَهمومين
وسنسهر على شرفاتِنا
هانئينَ
مطمئنينَ
آمِنين
لقد انتصرتِ المقاومةُ
أيها الإخوةُ
فامشوا
شامِخينَ
هاماتُكُم مرتفعة
وجِباهُكُم مرفوعة
أجيبوا إذا سُئِلتُمْ
أنكم مع بطرسَ الصَّخرَةَ
حيثُ ضريحُ سمعانَ ها هُنا
تعلَّمتُم المقاومةَ بالشهادة
ومع الحُسَينِ لم تستوحشوا
طريقَ الحقِّ
فَسَلكتموه وعِرًا بالشَّهادة،
أجيبوا أنَّ الجنوب عاد
والشرق الأوسط الجديد رَحَل،
أجيبوا أنكم مؤسسون للسيادة
أُصَلاءٌ في الشراكة
شركاءٌ في الوطن
أمناءٌ على الميثاق
حماةٌ للوحدة
ضمانةٌ للسلم الأهلي
وحرّاسٌ لِأرزَةٍ
لا تُباعُ الى سليمان
ولا تُشترى من أبراهام
أجيبوا أنكم لبنانيون
شهداؤكم صُنِعوا في لبنان
وعاشوا في لبنان
ودُفِنوا في لبنان
وأنّكم مدموغونَ بالعمالةِ لِلبنان
الإخوة والاخوات،
اليوم كأننا بالتاريخ
يتأمل بأشرفِ الناسِ قائلًا
لقد فقتم توقعاتي
أَنحني لأَقدامِكم
وأُحيّي إِقدامَكُم
وكأننا أيها الإخوةُ والأخوات
بسماحة السيد
يخرجُ من قلب التاريخ
ليقول لأعظمِ شعبٍ على الإطلاق:
فخورٌ بكم
أقبّلُ رؤوسَكم التي أعلَتْ كلَّ رأس،
واقبّلُ أياديكُمُ القابضةَ على الزِّناد، يرمي بها الله تعالى قتلَةَ أنبيائِه وعبادِه والمُفسِدين في الأرض،
وأقبِّلُ أقدامَكُم المنغرسَةَ في الأرض، فلا ترتجفُ ولا تزولُ من مقامِها ولو زالتِ الجبال..
أيها الاخوة والأخوات
لا نريد ارتكاب خطأ تغييب التسمية
فَتحضُرُنا مثالًا
عيتا الشعب، وكفركلا، والعديسة، وحولا، والخيام ومارون الراس وَعيتَرون وَيارون وبليدا والغجر ومركبا وغيرُها من الصّامداتِ الأبيَّاتِ الباسقاتِ صُمودًا
التي ألقِيَ عليها ما يوازي زَلازلًا تتفسّخُ بفعلِ قوَّتِها القشرةُ الأرضيةُ،
رُمِيَتْ بالفوسفورِ الأبيض
والحقدِ الأسود
فسوَّتِ البيوتَ بالأرض
ورمَّدَتِ الحقول
وانظروا إلى شعبنا اليوم
لا زلازلَ تنفعُ معه
ولا صواريخَ
ولا مسيراتٍ
ولا مقاتلاتٍ
فطوبى لك ايها الشعبُ العظيم
واذا كنا قد سمِعنا قبل أيام
أن يومَ الاثنينِ يومٌ آخرٌ
فقد أشرقَ اليومُ الآخرُ
يومُ الحريةِ الموعودةِ
يومُ العودةِ الميمونةِ
يومُ الكرامةِ المُصانةِ
ويومُ لبنانَ
الذي عاد إلى جنوبِه
وعاد جنوبُهُ إليه،
ولتكنِ الدماءُ الطاهرةُ
التي سُكِبَتْ على هذه الأرضِ المباركة
من الجنوبِ
إلى البقاع
إلى الضاحيةِ الجنوبيةِ لبيروت
إلى العاصمةِ بيروت
إلى كلِّ المناطقِ التي لوَّثَها العدوُّ باستهدافِها
فلتَكُن هذه الدماءُ الطاهرةُ
رسالَةً إلى رُعاةِ اتفاقِ وقف إطلاق النار
مفادُها أنَّ تمديدَ اتفاقيةِ وقفِ إطلاقِ النار إلى ١٨ شباط
تمديدٌ مشبوهٌ
ويُضمِرُ سلسلةَ تمديداتٍ
تحوِّلُ الجنوبَ إلى منطقةٍ
تحتَ الاحتلالِ الدائم.
والتمديدُ المرفوضُ أصلًا
لا يعني تأجيلَ العودة
وأنَّ المقاومةَ المدنيةَ والشعبيةَ
والإعلاميةَ في مواجهةِ احتلالِ الجنوب بذرائِعَ متهاويةٍ وأذرُعٍ مُتماهيةٍ، هذه المقاومةُ بدأتْ ولن تتوقف.
ولتكُن دماءُ شهداءِ لبنان وجَرحاه
منذُ ايلول الماضي
حتى يومِ أمس والأيامِ الآتية
رسالةً الى المجتمعِ الدولي
الى أنَّ استهدافَ المدنيينَ العُزَّلَ
والطواقِمَ الصحفيةَ
خلالَ الحروب
يخالفُ القانونَ الدوليَّ الإنسانيَّ
واتفاقيةَ جنيڤ
فكيف إذا كان الاستهدافُ قد وقَعَ
في ظلِّ اتفاقٍ برعايةٍ فرنسيةٍ أميركية؟
ولتَكُنْ هذي الدماءُ أيضًا وأيضًا
صحوةَ ضميرٍ لمن يُريدُ ان يغامرَ بالاستفراد أو يقامرَ بالاستبعاد
ولمن يروِّجُ للعيشِ في جزيرة
وَللسِّياديينَ الذين نحبُّ ان نسمع صيحاتِهم وحناجرَهم تصرخُ مع شعبهم وتواكبهُ في عودتِه
فلا تَعلو الصَّيحات اعتراضًا على ثلاثية وتختفي على ضِفاف نهر الأوَّلي.
ولتكن هذه العودةُ
التي تصنعُ التاريخَ اليوم
حافزًا لترسيخِ لبنانَ الواحدِ الكبيرْ
لا لتَفسيخِ لبنانَ المجزأِ الصغيرْ
لبنانَ الحاضنِ للجميع
والحامي للجميع
فالكلُّ كلٌّ يُخلصنا
والجزءُ جزءٌ يُهلِكُنا
والسلام