روسيا في “قلب التنين” وماذا عن المقاتلين الأجانب؟

وكالة “أخبار العرب”: سماهر الخطيب

لا شك أنّ المواجهة الروسية – الغربية اليوم وهي في أشدّها تعود إلى سنوات سابقة وليست وليدة العملية العسكرية الروسية الخاصة في إقليم دونباس والتي تحولت إلى مواجهة مع الناتو الذي فتح الخزائن المالية والعسكرية والإستخباراتية لدعم أوكرانيا ولتصبح حرب بالوكالة ما بين الولايات المتحدة الأميركية والغرب التابع لها وروسيا.
وفي العودة إلى جذور التصعيد الأميركي – الغربي ضد روسيا فمنذ انهيار الاتحاد السوفياتي وتفرّد الولايات المتحدة الأميركية في القطبية العالمية وهي تسعى جاهدة لضرب أي محاولة نهوض لروسيا الاتحادية وريثة الإتحاد السوفياتي وكانت ثورة الشيشان الثانية التي نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من إيقافها ليكون غزو أفغانستان في العام 2001 وثم غزو العراق في العام 2003 وثورة الورود في جورجيا في العام 2003 وانضمام دول البلطيق (إستوانيا، لاتافيا، ليتوانيا) إلى حلف الناتو (شمال الأطلسي) عام 2004 وفي العام نفسه أضافت فنلندا إلى عقيدة الأمن القومي الفنلندي ما أطلقوا عليه “خيار الناتو” الذي يعني التوجه الفنلندي للإنضمام إلى الناتو (الذي حدث فعلاً في هذا العام)، دخول بولندا في الاتحاد الأوروبي عام 2004 حيث شكلت رأس حربة في سياسات أوروبا والولايات المتحدة ضدّ روسيا منذ ذلك الحين (ناهيك عن أن الصراع ما بين روسيا وبولندا يعود إلى خمسة قرون أي بدءاً من القرن السادس عشر عندما كانت روسيا عبارة عن قيصرية موسكوفي والتي تأسست على يد القيصر إيفان الرابع عام 1547 وتوسعها شرقاً وغرباً في السنوات اللاحقة)، الثورة الملونة في أوكرانيا 2004 – 2005، اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 والضغط على سورية للإنسحاب من لبنان وحرب تموز في لبنان عام 2006، والتوترات في جورجيا عام 2008، وثورات “الربيع العربي” عام 2010، واستهداف سورية عام 2011، تجاوزات أوكرانيا عام 2014 لأقليم دونباس وضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، واتهام روسيا بتسميم المعارض أليكس نفالني عام 2020، إنتاج فيلم وثائقي ضدّ الرئيس بوتين في العام 2020-2021 (لتأجيج الرأي العام الروسي ضدّ رئيس بلاده)، ليتم فيما بعد تنظيم احتجاجات في روسيا دعماً للمعارض نافالني عام 2021 (وفق ما دعا الفيلم نفسه حيث بدأ بدعوة الناس للخروج والمشاركة في الاحتجاجات الروسية للمطالبة بالإفراج عن أليكسي نافالني)، كما شنت أذربيجان حرباً خاطفة داخل أرمينيا في العام 2020 وتمكنت من السيطرة على الأقليم بعد صراع في إقليم ناغورني قره باغ قبل توقيع “وقف إطلاق النار” بين البلدين في موسكو، سرعان ما تمّ تجاوزها في بداية العام الحالي..

وفي كازاخستان، بدأت حكومة توكاييف مع بداية العام 2021 بفصل البلاد عن موسكو، وهو ما بدء مع نقل كازخستان من الأبجدية السيريلية إلى الأحرف اللاتينية كقرار للإبتعاد عن اللغة الروسية لقطع الروابط الثقافية بين البلدين والابتعاد عن نطاق النفوذ الروسي وفي العام 2022 ألغى توكاييف احتفالات “يوم النصر” بإشارة واضحة إلى إلغاء التقاليد السوفاتية وترجم ذلك في رفض كازخستان الاعتراف باجمهوريتي “دونيتسك” و “لوهانسك” كدولتين مستقلتي.

أما في تركيا، توترت العلاقات مع روسيا في أعقاب إسقاط طائرة مقاتلة روسية في العام 2015 وما لبثت أن عادت إلى طبيعتها في العام 2016، حتى تم اغتيال السفير الروسي في تركيا في العام 2016 لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتبر الجريمة استفزازاً يهدف إلى إفساد تطبيع العلاقات الروسية التركية وإفساد عملية السلام السورية التي تدفعها روسيا وتركيا وإيران وغيرهم.

ناهيك عن الغاز وأهميته بالنسبة للدول الأوروبية ومحاولة الولايات المتحدة الأميركية قطع خطوط الإمداد الروسية عن تلك الدول ووضع اليد الأميركية على شرايين الطاقة العالمية عبر إشعال بؤر الصراع وإلزام الدول المنتجة للغاز بسياساتها المصلحية بعد أنتوجه العالم برمته عقب مؤتمر “كيوتو” للتوجه نحو الطاقة النظيفة أي الغاز وهو ما يقع تحت السيطرة الروسية سواء بطرق الأمداد أو المكامن، وسواء في موقعها الجغرافي أو في فضائها الجغرافي، وهو ما ينهي السيطرة الأميركية عقب قرن من السيطرة الأميركية على النفط ومنابعه وبدء التخلي عن هذا المصدر تدريجياً وما يتبعه من سياسات البترودولار، ليحل محله الغاز وتضغط أميركا حتى يبقى الدولار مسيطراً حتى في الغاز في حين بدأت الدول تتخلى تدريجياً عن الدفع بالدولار مقابل العملات المحلية وعلى رأسها اليوان والروبل..

كل تلك الأحداث في الفضاء الجغرافي لروسيا في محاولة لإضعافها واستهداف أمنها القومي بإثارة بؤر الصراع من جهة، وتكوين طوق ناتوي حولها من جهة ثانية، إضافة إلى نشر القاذفات والصواريخ الاستراتيجية على الحدود الروسية في دول أوروبا الشرقية والبلطيق واوكرانيا فباتت روسيا في “قلب التنين” الأميركي – الناتوي وبات أمنها القومي على حافة الهاوية بعد ما قام الغرب باستهدافها ثقافياً وأيديولوجياً وسياسياً وأمنياً بل وصلوا إلى أسوار الكرملين فما كان لروسيا إلا القيام بالخطوة الأولى القائلة بـ”عملية عسكرية خاصة” ولم تعلنها حرباً، في ضربة استباقية لما بات واضحاً من مساعي غربية لتفتيت روسيا من الداخل والسيطرة عليها بعدما سيطروا على معظم فضائها الجغرافي بالسياسة أو بالحرب وبالإعلام أو بالعسكر..

واليوم وبعد عام ونصف تقريباً على بدء هذه العملية مقابل الدعم الغربي- الأميركي اللامحدود لأوكرانيا في مواجهة روسيا لابدّ من التنبه إلى المحاولات الأميركية للضرب التقدم الروسي في أوكرانيا ومن هذه المحاولات نقل “المقاتلين الأجانب” الإرهابيين من إدلب وسجون “قسد” إلى أوكرانيا بعد تدريبهم وتأهيلهم أيديولوجياً لمقاتلة الروس الذين أفشلوا مشروعهم في سورية .. وبالتالي يتوجب التنبه من هؤلاء ومن السياسات التركية الغير واضحة بعد تجاه روسيا في حربها مع الغرب الناتوي والتي استخدمت اللاجئين سابقاً كورقة ضغط على الإتحاد الأوروبي وربما تستخدم المقاتلين الأجانب اليوم كورقة ضغط ضد روسيا وهذا ما يتطلب النظر بوضعهم وفق القرار 2254 والإستفادة من موقعها في مجلس الأمن لاستحصال توافق على تعديل هذا القرار والقضاء على هؤلاء المقاتلين قبل أن ينتشروا في أوروبا ربما ليعود السحر على الساحر..

وفق ما أوردناه من أحداث فإنّه من الظلم اتهام روسيا بالفشل عسكرياً في معاركها بأوكرانيا بل إن ما تقوم به من تكتيكات واستراتيجيات عسكرية ودفاعية نابع عن كل تلك التهديدات وكمن يسير في حقل ألغام تقود عمليتها بحذر شديد وصبر استراتيجي واعد بنصر للإرادة الشعبية على الأطماع الغربية الناتوية..
*سماهر عبدو الخطيب – كاتبة صحافية وباحثة في العلاقات الدولية والدبلوماسية

Exit mobile version