رسالة نصرالله أرادها إلى الفلسطينيين قبل حزبه
رضوان عقيل-” النهار”
كثر الحديث بعد عملية “طوفان الأقصى” عن موقع “حزب الله” والدور الذي يؤدّيه في هذه المواجهة العسكرية المتدحرجة التي تشنّها إسرائيل ضد حركة “حماس” في غزة التي يدفع أهلها ضريبة كبرى في تقديم كل هذا العدد من ألوف الضحايا والجرحى وتدمير أحياء فوق رؤوس أصحابها حيث تهطل عليهم أطنان من الصواريخ والمتفجرات بعدما حوّل الإسرائيلي أرضها حقول اختبار لأحدث أنواع القنابل الذكيّة وأشدّها فتكاً وقتلاً.
وأراد نصرالله الذي يتابع تفاصيل هذه المعركة منذ يومها الأول القول إن الحزب نواتها الرئيسية، وإن لم يظهر في إطلالة إعلامية لجملة من الأسباب التي تخصّه في هذا التوقيت من المواجهة على وقع كل هذا الدعم الذي تتلقاه تل أبيب من الدول الغربية من دون استثناء ومدّها بكل أشكال الدعم العسكري والمادي وقبلهما السياسي في مجلس الأمن والمنتديات الدولية.
وتزامنت رسالة نصرالله مع توزيع خبر استقباله نائب رئيس المكتب السياسي في “حماس” صالح العاروري والأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” زياد نخالة ليؤكد نصرالله من خلال الكشف عن هذا الاجتماع المشترك بين ثلاثة أطراف أساسية في “محور المقاومة” أن الحزب في صلب هذه الحرب وأنهم يتشاركون في إدارة غرفة عمليات مشتركة وأن المقاتلين الذين يسقطون له في الجنوب هم “على طريق القدس” وليثبت بالأقوال والأفعال أن التكامل حصل بين المقاومتين الفلسطينية واللبنانية. ولا حاجة عند نصرالله هنا الى التذكير بأنه يدير ويتابع كل ما يدور على جبهة غزة وما يحصل في العمق الإسرائيلي فضلاً عن إشرافه على طول جبهة الجنوب على الحدود ليقول لمن يهمه الأمر ممّن يلتقي مع خطه أو يعارضه في الداخل والخارج إن “كل هذه التضحيات التي تقدّمها المقاومة من دماء لبنانية متلازمة مع الدماء الفلسطينية”، وإن الجهتين تقفان كتفاً الى كتف في هذه المواجهة التي من المرجح أن تمتد الى أسابيع وربما الى أشهر إذا قرّرت إسرائيل مواصلتها. وكتب الأمين العام رسالته هذه بخط يده لإضفاء المزيد من رمزية الدلالات والتفسيرات عليها. وثمة ثلاث إشارات عمل نصرالله على توجيهها في نصّ رسالته وأراد منها:
- الاتصال بينه وبين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لا ينفصل عن طبيعة التهديدات التي تعصف بلبنان حيال ما يحضر له وما يتحضر له، وأن في إمكان نصرالله أن يتواصل مع أي شخصية ويمسك بهاتفه على الشبكة الخاصة بالحزب ويتحدث مع أي قيادي في الحزب يرابط في نقطته العسكرية وهو على بعد عشرات الأمتار عن أقرب موقع للجيش الإسرائيلي على الحدود في الجنوب.
- ومنعاً لأي اجتهادات أراد الحزب أن يثبت أن استقبال نصرالله للعاروري ونخالة قد تم بالفعل وأن الصورة التي جمعتهم ليست من الاجتماع ما قبل الأخير. ويدخل هذا الأمر في إطار ممارسة الحزب الحرب النفسية ضد الإسرائيليين.
- التأكيد أن “المقاومة” في قلب المعركة بالفعل وأن تقديمها أكثر من 40 شاباً ليس من باب الصدفة، وأنها لا تقوم بواجبها “الجهادي” فحسب بل إن سعيها وكل الجهود التي تبذلها لا تنحصر في تحرير الجزء المحتل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا فقط بل إن ما تفعله يدخل في سلوك الطريق الى تحرير القدس. وإن هدف الحزب هنا ليس إشغال جبهة الجنوب أو الدخول في استنزاف إسرائيل فحسب بل إعطاء “هوية للشهداء الذين يقدّمهم”، ومعركة من هذا النوع تستدعي أن يكون الحزب في صميمها وهذا ما يمارسه.
وجاء في طيّات الرسالة جملة من الردود التي ظهرت في الأيام الأخيرة على ألسنة فلسطينية ولبنانية وغيرها: “أين المقاومة من كل ما يحدث؟” ولا سيما بعد مواقف شخصيات فلسطينية لم تكن محلّ ترحيب عند “جمهور المقاومة”. وكان أخطرها ما جاء في تصريحات للقيادي في “حماس” خالد مشعل مع التذكير بأن بعض الأصوات لفاعليات فلسطينية وعربية سألت عن الحد الأدنى والأقصى لقدرات “حزب الله” واستثمارها في نصرة أبناء غزة مع ملاحظة أن أكثرهم لا يؤيّدون خيار المقاومة ورغم ذلك طُرحت أسئلة “أين الشيعة من معركة غزة وحصار إسرائيل لها وماذا ينتظرون؟”.
وجاء الرد في تلك الرسالة على كل ذلك وهو أن الحزب في صلب هذه المعركة وليس على أطرافها وأن مدى انخراطه أكثر يعود الى تطوّر مسار الأعمال العسكرية في غزة مع ملاحظة تصعيد المواجهات العسكرية على الحدود في الجنوب في الأيام الأخيرة، وأن رفع السقف يرجع الى تقدير قيادة المقاومة على الأرض.
وكان من الملاحظ أن نصرالله يتوجّه للمرة الأولى بهذه المقاربة الى مقاوميه ولو عن طريق الوسائل الإعلامية في الحزب. وسبق أن خاطبهم واللبنانيين ولو في مشهدية أخرى أثناء عدوان تموز 2006 لحظة استهداف المقاومة بصاروخ بارجة حربية إسرائيلية: “انظروا إليها تحترق وستغرق ومعها عشرات الجنود الإسرائيليين الصهاينة”. وسبق له إبان تلك الحرب أن ردّ على رسالة تلقاها من المقاتلين وهم على جبهاتهم آنذاك وعمل على تضمين رسالته هذه المرّة نكهة فلسطينية لتضمّنها الدعوة الى الاستشهاد “على طريق القدس” وما تمثله في وجدان الكثيرين في العالمين العربي والإسلامي.