رسالة إلى فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزيف عون سامي الاحترام

رسالة إلى فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزيف عون سامي الاحترام

كتب  بلال وهبي:

من مواطن لبناني يفتخر بانتمائه إلى لبنان، وحريص على سلمه الأهلي، عاش أجداده فيه منذ (1400) عام، عمَّروا هذه البلاد الطيِّبة بالعُمران والعلم والمعرفة، زرعوا أرضها شجراً وبشراً، وسقوها بدمائهم الزكية، وبذلوا مهجهم في الدفاع عنها، وقاوموا كل محتل وغاصب، ولم يستسلموا أو يَهينوا أو يَذِلُّوا لمتجبِّر وظالم وطاغية، وآمنوا بفرادة لبنان في محيطه، وعاشوا جنباً إلى جنب إخوانهم في الوطن، شركاء متضامنون متعاونون، مؤمنون بأنَّ التنوع الديني والثقافي سمة لبنان الرسالة، وثروته الحضارية الإنسانية الكبرى، وما زال أسلافهم إلى اليوم يحرصون على ذلك قناعة منهم بأن الإنسان أخو الإنسان، والتزاماً منهم بما جاء به الأنبياء والرُّسل (عليهم جميعاً سلام الله) وبما دعاهم الله تعالى إليه إذ قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿الحُجُرات: 13﴾.

اليوم عشية ذكرى الحرب الأهلية المجنونة التي عصفت بلبنان وأُزهِقَت فيها عشرات الآلاف من الأرواح البريئة، وهُدِّمت فيها الممتلكات، وتراجع الاقتصاد، وسُلِبَ من لبنان دوره التاريخي الريادي، وصار مطمعاً لكل محتل وغاصب، ستتوجَّهون اليوم برسالة كريمة إلى الشعب اللبناني الشريف الذي يراهن بعد الله عليكم، وعلى تعاون الطوائف والأحزاب والسَّاسة معكم، لبناء الدولة القوية والمقتدرة والعادلة، دولة المواطَنة التي يتساوى فيها المواطنون أمام القانون، ويأمنون فيها على حرية معتقدهم، وثقافتهم، وأمنهم، الدولة التي تحارب الفساد والطائفية والفئوية والمحسوبية، وتجتثُّ ذلك من النفوس كشرط أساسي لإعادة بناء لبنان الرسالة والفرادة.

لنا في فخامتكم أمل ورجاء، واثقين من سلامة نِيَّتكم، وعظيم فهمكم لتركيبة هذا الوطن الطائفية والمذهبية والثقافية، وشديد حرصكم على النهوض بلبنان لكل اللبنانيين، دون تمييز ولا تفرقة.

نأمل من فخامتكم أن تكلفوا فريقاً من الباحثين المُنصفين ليقوموا بمراجعة مواقف علماء وقادة وساسة الطائفة الشيعية في لبنان، وهي طائفة ضاربة جذورها في لبنان، وكانت منذ ألف وأربعمئة عام منتشرة في شمال لبنان وجبله وبقاعه وجنوبه، ولديها جامعاتها العلمية التي خرَّجت علماء وعباقرة وأدباء وفلاسفة، امتدَّ تأثيرهم إلى الهند، ناهيك عن بلاد الشام والعراق وإيران وأفغانستان، ولم تزل آراؤهم تُدرَس في الجامعات العلمية الشيعية على امتداد الدول التي سبقت الإشارة إليها، وكانت كلها (تلك المواقف) تعبر عن نُضج فكري، ونَفَس إنساني وحدوي، واحترام لبقية المُكوِّنات التي عاشوا معها جنباً إلى جنب، قاسموها خبزهم، ووقفوا إلى جانبها في أفراحها وأتراحها، ما أهانوا أحداً، ولا تعدَّوا على أحد، وما حملوا ذهنية الأقصاء والإضعاف، ولا ذهنية (لا تشبهونا)، وما أنكروا على مكوِّنٍ حقه في التعبير عن رأيه، وممارسة ثقافته، ولا تهجَّموا على مقدساته وطقوسه، ولا أعانوا عدواً للبنان على مكوِّن من أبنائه، رغم الحملات المغرضة والفتنوية التي ما زالوا يتعرَّضون لها يومياً، تحت ستار حُرِّية الإعلام والتعبير، ورغم التهليل للعدوان عليهم، وإرشاده إلى أهداف ليقوم بقصفها، وشماتة غير أخلاقية بشهدائهم وارتحال قادتهم، الذين بذلوا مُهَجَهم دفاعاً عن لبنان، وخاضوا معارك طاحنة ضد التكفيريين الذين كانوا يبغون الشَّر بكل اللبنانيين، وقد خضتم (فخامتكم) معركة الجرود جنباً إلى جنب معهم.

واليوم فخامة الرئيس ما زال بعض اللبنانيين يُمعِنون في غِيِّهم وتهجمهم على الشيعة، ويتطاولون على معتقدهم، وشعائرهم، وثقافتهم، ويكيلون لهم الاتهامات، ويلصقون بهم الأباطيل، ويروِّجون عنهم الإفك والأراجيف، ويسيؤون إلى مقاماتهم الروحية، متوهِّمين أن الشيعة قد ضَعفوا، وأن في الإمكان الأنقاض عليهم، ومصادرة دورهم.

من المهم فخامة الرئيس، وأنتم المؤتمنون على تطبيق الدستور، وعلى حماية السلم الأهلي، أن تعرفوا أن الشيعة قد واجهوا على مدى أربعة عشر قرناً صنوف التنكيل، والإقصاء، والتهميش، والتهويل، وكانوا يواجهون ذلك بصبر وأناة ووعي وبصيرة، ومراعاة للأولويات، وحرص على السلم الأهلي، ويمدّون أيديهم إلى أخصامهم، وكان شعارهم الدائم شعار إمامهم وقدوتهم الإمام أمير المؤمنين (ع) : “لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَوَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَفَضْلِهِ وَزُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ”. وما هانوا، وما استكانوا، وما خنعوا، وما ذَلّوا، وما أسلموا رقابهم لعدو وظالم.

الشيعة اليوم يا فخامة الرئيس يتعرضون لحملات ممنهجة مدفوعة من الخارج على أيدي بعض اللبنانيين، الذين نتفهَّم أن يكون عندهم مشكلة مع المقاومة، والثنائي الوطني، ولكنهم لن يسمحوا بأن يتعرَّض مستعجل غبي لم يتعلم من دورس التاريخ لمذهبهم، وشعائرهم، وثقافتهم، ومقاماتهم الروحية، ودورهم في الحياة السياسية، والاقتصادية، والمالية، والعلمية، والثقافية، ولأنهم يشعرون أن وجودهم كطائفة مستهدف. فهم الآن كالمرجل الذي يغلي، والبركان الذي يكاد أن يفور، وإذا ما فار فلا أحد يعلم المدى الذي يمكن أن يصل إليه، والعاقل الحكيم وأنتم هو الذي يعتمد مبدأ درهم وقاية خير من قنطار علاج.

الشيعة يا فخامة الرئيس يصبرون ويصبرون حتى يعجز الصبر عن صبرهم، لكنهم إذا ما أحدٌ أراد أن ينال من كرامتهم أو يُذلِّهم لا يسكتون ولو كان في ذلك موتهم، إنهم كربلائيون، كل واحد منهم يسمع وهو في رحم أمه شعار (هيهات مِنَّا الذِّلَّة)، وكل واحد منهم ينشأ على مقولة: ( أبالموت تخوفني، القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة).

هذه هي ثقافتهم، وهذا هو معدنهم، إنهم سِلمٌ لمن سالَمهم، وحرب لمن حاربهم، وأهل نخوة، ونجدة، وشهامة، وشجاعة، يوفون بعهودهم، ويحترمون كلمتهم، ويخلصون لمن أخلص لهم.

أنتم اليوم يا فخامة الرئيس ربّان سفينة لبنان، وفخامتكم ربّان ماهر، وقد جئتم إلى الرئاسة من موقع قيادة الجيش الذي سلَّم الشيعة اليوم إليه وإلى فخامتكم الدفاع عن أرضهم، وأعراضهم وأموالهم، وكرامتهم، فانصفوهم، ولاقوهم وسط الطريق، ولا تسمحوا لأحد أن يتطاول عليهم تحت ستار حرية التعبير والإعلام، والتي لا يقولها بها عاقل إذا أدَّت إلى الفتنة، وزعزعت أمن الوطن والمواطنين، كي لا تغرق السفينة بجميع ركابها، وحينئذ لن ينجو أحد من الغرق، وتجربة الحرب الأهلية شاهد حاضر على ذلك.

Exit mobile version