كتبت ندى اندراوس في “المدن”:
عملياً، في الأسبوع الأول من العام 2025، والأسبوع الأخير قبل جلسة التاسع من كانون الثاني، تبدأ بلورة صورة الاصطفافات السياسية الرئاسية من خلال ولادة ائتلافات برلمانية بين عدد من الكتل ونواب مستقلين.
المعارضة، والتي تضمّ نواباً ينضوي بعضهم في كتل وآخرين مستقلين، في مقدّمهم أكبر تكتل نيابي هو تكتل الجمهورية القوية، لم تغير تموضعها وإن كانت مقاربتها الرئاسية لناحية الأسماء المطروحة تتفاوت، لاسيما وأنّ من بين صفوفها من يقدّمون أنفسهم كمرشّحين “وسطيين توافقيين وتسوويين”، برأيهم.
هذا بالإضافة إلى ما يرسل من رسائل عبر موفدين من رئيس حزب القوات اللبنانية إلى قيادات سياسية لجسّ نبضها حول مدى استعدادها السير بترشيح سمير جعجع، إذا ما عقد العزم على خوض السباق الرئاسي. ومن بين أبرز الرسائل تلك التي أُرسلت إلى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل.
في غضون ذلك، وبانتظار اكتمال عقد الخريطة الانتخابية، تشهد الفترة الأخيرة التي تسبق الجلسة الرئاسية عملية “بونتاجات بالجملة” لبورصة المرشّحين بدءاً بأبرزهم، قائد الجيش العماد جوزف عون، وصولاً إلى الأسماء التي أصبحت معروفة وتطرح في الصالونات السياسية منذ أشهر، وما أضيف إليها من أسماء جديدة لمرشحين لم يخفوا طموحهم الرئاسي.
مرشّح الخماسية والزيارة السعودية
بغضّ النّظر عمّا يسرّب من هنا وهناك والحديث عن ميل أميركي سعودي، واليوم فرنسي لقائد الجيش كمرشح أساسي دون سواه، تؤكّد مصادر ديبلوماسية لـ”المدن، أنّ أيّاً من أعضاء اللجنة الخماسية لم يفاتح زملاءه بدعم قائد الجيش جهارة. إنّما الأهمّ لهذه الدول من خلال ممثّليها “الاضطلاع بصفة المسهّل وليس القيام بحملة انتخابية لهذا المرشّح أو ذاك”.
صحيح أنّ كلّ دولة من هذه الدول منفردة “تميل ضمناً لمرشّح دون سواه، لكن هذا لا يعني الدفع أو الضغط باتجاه هذا المرشح، لأنّها تعلم أنّ ذلك يصطدم بعدم توافق الخماسية على مقاربة واحدة من جهة، ووجود أفضليّات لكلّ منها لمرشّحين محدّدين من جهة أخرى، ولأنّ أيّ تفاهم في ما بينها وإن تحقق يصطدم باستمرار تعذر التفاهم الداخلي على مرشح توافقي بأكثرية مقبولة انتخابياً”.
وإلى ما يحكى عن دور مستعاد للخماسية في الموضوع الرئاسي تأتي زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لبيروت خلال الأيام الأولى من العام الجديد. هذه الزيارة السعودية الأولى على هذا المستوى منذ فترة طويلة، تأتي بعد زيارة قائد الجيش الأخيرة إلى المملكة ما يدفع إلى التساؤل عمّا إذا كانت ستقلب كلّ المقاييس الرئاسية.
وتقول مصادر ديبلوماسية متابعة لـ”المدن” إنّ أولويات المملكة اليوم تأتي بالتوازي على مستويين:
– المستوى الأول، موقف لبنان في ظلّ التطورات في المنطقة، لاسيما وأنّها لا تزال تتعاطى بحذر مع المتغيرات السورية.
– المستوى الثاني، قد تدفع المملكة إلى التشجيع على انتخاب رئيس وإنتاج ما يشبه “ميثاقاً لبنانياً جديداً من خلال انتخاب رئيس وتكليف رئيس حكومة وتأليف حكومة، يشكّلون معاً فريق عمل يعملون ضمن ثلاثية الإصلاح والسيادة والاستقرار.
عون رئيساً بال86؟
حتّى الآن يبقى قائد الجيش المرشّح الأوفر حظاً، أو أقلّه الأكثر تداولاً وتقدماً على ما عداه في بورصة الأسماء المتداولة في دوائر القرار الخارجية. الأمر الذي قد لا ينعكس بالضرورة على الداخل ويؤدي إلى انتخابه أو غيره في التاسع من كانون الثاني.
لذا من الآن فصاعداً وتحديداً في اليوم الأول بعد عطلة رأس السنة، وعند إشراقة كلّ شمس حتّى عشية التاسع من كانون الثاني وربما قبل ساعات من الجلسة، يكثّف المسترئسون وداعموهم البونتاجات الرئاسية.
في بعض هذه البونتاجات، تشير الأرقام إلى أنّ قائد الجيش يحظى بتأييد 74 نائباً، ويلقى معارضة نهائية من 20 آخرين (12 نائب من تكتّل لبنان القوي و8 نواب مستقلّين). بذلك يكون انتخابه في الدورة الأولى رهن تصويت 34 نائباً، هم نواب الثنائي أمل حزب الله وحلفاؤهما.
خبراء الأرقام يقولون انّه في حال لم يخرج على قرار الثنائي أي من الـ34 نائباً بما يوفر العدد الكافي لتأمين الـ86 صوتاً لقائد الجيش، أي الاقتراع له بأكثرية الثلثين، تبقى هناك ثلاثة احتمالات لعملية الانتخاب:
الاحتمال الأول، أن يعقد الثنائي ممثلاً برئيس مجلس النواب نبيه بري صفقة مع داعمي ترشيح العماد عون، وبالتالي يحصل الأخير على أكثر من مئة صوت، فيُنتخب من الدورة الأولى.
الاحتمال الثاني، أن ينفصل الثنائي في العملية الانتخابية، فيقوم الرئيس بري وكتلته بانتخاب عون وفق ترتيب معيّن داخل الطائفة الشيعية، ويمتنع حزب الله عن انتخاب عون، وبالتالي يحصل قائد الجيش على حوالي 95 صوتاً.
أما الاحتمال الثالث، فهو أن يبقى الثنائي على موقفه الرافض لعون وبالتالي نتّجه إلى الدورة الثانية من الانتخابات، والتي يمكن أن يُنتخب قائد الجيش في خلالها بأكثرية الـ65 صوتاً، مع الحفاظ طبعاً في كلّ دورة انتخابية على نصاب الثلثين، وفق الآليات التي نصّ عليها الدستور. “هذا إلّا إذا كان في نفس يعقوب أيّ من الكتل تطيير النصاب”.
لعبة الفيتوهات والأسماء تفخخ الجلسة
في الدورة الانتخابية الثانية، تصبح اللعبة مفتوحة على كلّ الحسابات. إذ لكلّ فريق فيتو لن يتردد في اللجوء إليه لمنع وصول أيّ مرشح لا يريده، أكان لحساباته الداخلية الخاصة أو ترجمة لحسابات إقليمية ودولية.
فالعميد جورج خوري واللواء الياس البيسري يواجهان فيتو أميركيأ سعودياً ومعهما في الداخل فيتو نواب المعارضة.
وزير الخارجية السابق ناصيف حتي، والنائب نعمت افرام، يواجهان فيتو من التيار الوطني الحر ومعارضة الثنائي، بالإضافة إلى عدم تبنّي قوى أخرى لترشيحهما.
النائب فريد البستاني، رئيس لجنة الاقتصاد النيابية، لا يواجه فيتو قاطع من قبل أي فريق محلي وخارجي، ذلك أنه حافظ على استقلاليته من ضمن تحالفه مع التيار الوطني الحر في انتخابات 2018 و2022.
في هذا المجال، توضح مصادر مطلعة لـ”المدن” أن البستاني الذي قد يواجه معارضة من قبل القوات اللبنانية وبعض قوى المعارضة، “الا أنها معارضة لا ترقى الى حد الفيتو. كما لدى البستاني امكانية الخرق والحصول على أصوات نواب مستقلين وربما من الثنائي. كما أن ترشيحه يحظى بقبول التيار الوطني الحر وذلك كون اسمه من ضمن الأسماء التي أبلغ التيار الوطني الحر القبول بها”.
الوزير السابق زياد بارود، من أوائل المرّشحين الذي طُرح اسمه كما قائد الجيش، على الرّغم من وسطيته المعلنة وحياده عن الاصطفافات، “لا يزال يواجه ممانعة فريق الممانعة ومعه القوات اللبنانية التي تعتبره أقرب في ولائه إلى التيار الوطني الحر. كما لم تفصح أيّ جهة في أيّ من النقاشات وبشكل جدّي عن تأييدها له باستثناء التيار الوطني الحر، الذي لا يزال يضع اسمه في درجة متقدمة في لائحة أسماء المرشحين”.
أخيراً وليس آخراً، تقول المصادر ان النائب فريد الخازن الذي انضمّ مؤخّراً إلى لائحة المرشحين، وقام بجولة رئاسية على القيادات السياسية، كما الوزير السابق جان لوي قرداحي المطروح اسمه من ضمن اللوائح الأولى التي بدأ التداول بها بعد أشهر من الفراغ الرئاسي، يواجه الاثنان فيتو خارجياً ومعارضة داخلية، ولم ينجحا في ضمان دعم ثابت من قبل أيّ فريق حتّى من حلفائهما.
مرشح التقاطع إلى الواجهة
في خضمّ زحمة الأسماء والبونتاجات، عاد اسم مرشّح تقاطع المعارضة مع التيار الوطني الحر جهاد أزعور إلى الواجهة. “هناك معلومات أنّ الرئيس بري أصبح أكثر انفتاحاً للبحث في جدية هذا الترشيح، وهذا ما فهمه التيار الوطني الحر عبر قنوات التواصل المفتوحة بين ميرنا الشالوحي وعين التينة”.
تكشف المصادر أنّ أحد السيناريوهات قد يترجم ” بتوزيع الأدوار بين حركة أمل وحزب الله وذهاب أصوات كلّ منهما في اتجاه. بمعنى يشارك نواب الثنائي في الجلسة، لا يعطلونها بأيّ شكل من الأشكال، على أن يتكرر مشهد يشبه ما جرى في جلسة انتخاب الرئيس ميشال عون، أي توزع الأصوات، لكن هذه المرة بشكل معاكس. اذ يقترع نواب كتلة التنمية والتحرير لمرشح قد يكون أزعور، فيما يمتنع نواب كتلة الوفاء للمقاومة عن التصويت”.
وعودة الحديث عن ترشيح أزعور يضع تقاطع الفرقاء الذين رشحوه في المقام الأول أمام مسؤولياتهم فهل ينفض التقاطع وينفرط عقده في الوقت الذي يفترض به أن يتوحد من أجل المصلحة العامة ولملء الفراغ الرئاسي وفق المشروع الأول الذي توحّدوا حوله أم أنّ المتغيرات على مستوى الإقليم تدغدغ أحلام البعض لترجمتها في الداخل لمصلحته الخاصة من دون اعتبار لأولوية المصلحة الوطنية؟
عودة السين إلى لبنان
كل ما تقدم يبقى رهن ما ستحسم معطياته حركة الموفدين العرب والأجانب في الأيام القليلة التي تسبق جلسة التاسع من كانون الثاني، والنتائج المرجوة منها. فهل عودة المملكة العربية السعودية إلى لبنان من باب ديبلوماسيتها الرفيعة تحمل في طياتها تسوية بتوقيع عربي سعودي خارجي أميركي فرنسي، تعيد خلط كلّ الأوراق وتصوّب بوصلة اقتراع عدد كبير من الكتل، وما هي الأثمان في المقابل ومن سيحصّلها؟ وماذا عن السين الثانية التي تغيرت حالها مع تغير النظام فيها وتغير دفة الحكم؟ فهل سيكون هناك من ترجمة عملية لكلام أحمد الشرع عن عدم ممانعة سوريا في تولي قائد الجيش سدّة الرئاسة؟ هل سيعود لبنان إلى زمن السين سين ليستعيد استقراره أم سيعود إلى مجلس نوابه لينتخب رئيساً يمثل تطلعات شعبه ويكون صنع في لبنان وبمباركة دولية وإقليمية؟