الاخبار الرئيسيةمقالات

دراسة نقديّة في المُقارنة بين الحداثة والإسلام

دراسة نقديّة في المُقارنة بين الحداثة والإسلام

كتبت سلوى فاضل:
السيد صدر الدين حسن القبانجي أحد علماء الحوزة العلميّة في النجف الأشرف، وسليل عائلة دينيّة بارزة، وأستاذ الدراسات العُليا فيها، ومن تلامذة الشهيد محمد باقر الصدر، وله عدة مؤلفات حول الفلسفة والفكر السياسي في الإسلام، أبرزها الأسس الفلسفيّة للحداثة، والمذهب السياسي في الإسلام، كان قد صدر له في بيروت كتابًا بعنوان (البُنى الفوقيّة للحداثة: دراسة نقدية مُقارنة بين الحداثة والإسلام) عن مركز الحضارة لتنميّة الفكر الإسلامي.

أما أهم مؤلفاته الفكرية فهي: الكتاب العقائدي، ومحاضرات في أصول الدين، وتاريخ التشيّع الفكريّ والسياسيّ، والمذهب السياسيّ في الإسلام، وبحوث في خط المرجعيّة، و بحوث في حزب الله، و بحوث في المنهج السياسيّ، والمُعالجات الإسلاميّة لمشاكل الإنسان، والإسلام وإشكاليّات الحداثة، ولمحات في نقد الفكر الحداثيّ، والأسس الفلسفيّة للحداثة، اضافة إلى عددٍ كبيرٍ من المؤلفات العقيديّة والاجتماعيّة والسياسيّة.

وبعيداً عن الإشكاليّة التي تطرحها “الحداثة”، هذا المُصطلح الذي تحوّل نتيجة الاستعمال المتكرر إلى واقع ممنوع من النقاش، فباتت الحداثة مجموعة أفكار وآراء ونظريات، وصار التعامل معها على أنها مدرسة أو أسلوب تفكير.

وقد عمد السيد القبانجي إلى المقارنة النقديّة بين الدين والحداثة من خلال كتابه الأسس الفلسفية للحداثة، وهي برأيه عبارة عن بنى تحتية للحداثة. ولأجل دراسة الأسس الفوقيّة وُضع هذا الكتاب (البُنى الفوقيّة للحداثة: دراسة نقديّة مُقارنة بين الحداثة والإسلام) و هو الذي بين أيدينا من أجل عرض نظرة الحداثويين للدين وكيفيّة تفسيرهم له.

علمًا أن الكتاب لا يتطرّق للحداثة الماديّة التي ترفض الديانات السماويّة رفضًا مُطلقًا، بل للرؤيّة الحداثويّة التي لا مشكلة بينها وبين الدين، بل هي تحاول الانسجام معه.

العناوين والأبواب
يتضمّن هذا المُؤَلَف أبوابًا عدة، الأول: العقل بين الحداثة والإسلام، ويشمل الرؤية الإسلاميّة إلى العقل، والرؤية الحداثوية للعقل. ويتحدث الباب الثاني عن القرآن بين الحداثة والإسلام، يستعرض خلاله القراءة الإسلاميّة للقرآن، و القراءة الحداثوية للقرآن، مع نقده لهذه القراءة والتوّصل إلى نتائج في ختام المقارنة. أما الثالث فيتحدّث عن السُنّة النبويّة بين الحداثة والإسلام.

ويتفرّع عن كلّ باب عدة مقولات ونظريات مع خاتمة خاصة به، ويضم أيضًا كلّ باب عدة أبحاث ومطالب وإشكالات ونتائج قد خلُص إليها الدكتور القبانجي.

الحداثة والعرب
التفسير الطبيعي للحياة عاجز عن شرح العديد من الظواهر الحياتيّة، أما القدرة الربانيّة فهي القادرة على تفسير هذه الظواهر لأن التفسير الطبيعي فرضيّة لم يثبت صحتها، كون هذا التفسير تفسيرًا غير علميّ. أما التفسير الدينيّ فيملك البرهان. من هنا، واجهت الحداثة في العالم العربيّ بداية القرن التاسع عشر رفضًا، تراوح بين الرفض التام والقبول الجزئي، وصولاً إلى محاولات التأصيل في التراث العربي-الإسلامي مع رفض اعتبارها جديدة، وارجاع أصولها إلى الحضارة الإسلاميّة المُتعددة الجوانب، والتي تضم جميع القيم والمبادىء الإنسانيّة على مرّ العصور.

وقد ذهب بعض النهضويين كرفاعة الطهطاوي أنّ كل ما يفخر به الغرب من علوم وآداب وطب وحساب وعمران وزراعة أُخذ عن العرب، كما أكد الشيخ محمد عبده أن مدنيّة الإسلام هي أساس نهوض أوروبا من ظلاميتها التاريخيّة. واعتبر الشيخ راشد الغنوشيّ أنّ التجربة التاريخيّة في عصر النبيّ تُعتبر أول تجربة عقد مدنيّ عرفها التاريخ، والتي سبقت نظرية العقد الاجتماعي لجان جاك روسو. وكان كلّ من جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي ورشيد رضا قد سبقوا كلّ المفكرين سواء الحداثويين أو المسلمين بمئات السنين حيال هذا الرأي. مع قول بعض الباحثين المعاصرين إن حقوق الإنسان في الإسلام سبقت المنظومة الغربيّة، والنصوص المُستمدة بروحيّتها من القرآن والسُنّة لا تتعارض مع أشكال الحكم الديموقراطي ومناهج حقوق الإنسان في العالم المعاصر.

البُنى التحتيّة
الحداثة تقوم على بُنى تحتيّة كالفلسفة، أما القرآن فهو البُنى الفوقيّة. ورغم تضارب الفلسفة والقرآن كمصدرين للعقل والفكر والوحيّ، وإن اختلفت مستويات القدسيّة، فالزمن هو رديف الحداثة، لأن التاريخ ومساره المُتتالي المُتراكم والمُتطور. فالحداثة مجموعة من الأفكار والآراء والنظريات. وأهم مبدأين تقوم عليهما الحداثة هما: مبدأ التفسير الطبيعي للدين، والثاني الاعتقاد أن الدين ليس إلاّ مجموعة أهداف.

والتفسير الغيبي هو الحاكم على كبريات المعتقدات الإسلامية. أما الحداثة فهي التفسير الطبيعي للدين، لأن الغيب أساس في المنهج الديني، لكن للخلاص من تبعات التفسيرات الجامدة وُجد الاجتهاد، وخاصّة في الأصول وليس فقط في الفروع. وهنا تبدو الدعوة الحداثيّة ضمن الدين.

وهي مواجهة خطرة ودقيقة بين الحداثيين الإسلاميين والحداثيين التقليديين، فمُعجزات الأنبياء هي نتائج طبيعيّة لأسباب طبيعيّة خاضعة لقدرات خاصّة لدى الأنبياء أو ناتجة عن جهل الناس بالعوامل الطبيعيّة التي سخرها لخدمة الدين.

لم تمر الحداثة بطريق سهل إلى داخل الفكر العربي والإسلامي، فدخولها كان صعبًا وشاقًا حيث كان التجديد والنهضة هما المفردتان اللتان طافتا في كلّ مؤلفات النهضويين في القرن التاسع عشر. وهو ما رفضه المتطرفون الذين خافوا على الدين من تشوّهات الفكر الغربي، وقد كان لعدد من المُفكرين نصيب من هذا الهجوم، منهم محمد أركون ومحمد عابد الجابري وحسن حنفي ونصر حامد أبو زيد وعبدالله العرويّ..

البُنى الفوقيّة
تُعد الحداثة مرحلة تاريخيّة هامة في تطوّر البشرية، حيث شهدت مجموعة من التحولات الإقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والفلسفيّة والفنيّة والأدبيّة والدينيّة والبيئيّة والتقنيّة. ولفهم وتحليل البُنى الفوقيّة لهذه التحوّلات، وكيف أثرت على مختلف جوانب حياة الإنسان ليتم استكشاف التأثيرات المختلفة، والتركيز على الجوانب الموضوعيّة لهذه التأثيرات.

السُنّة النبوية بين الحداثة والإسلام
تلعب السُنّة النبويّة دوراً محورياً في تشكيل الفكر الإسلامي وتوجيه المسلمين. وإن تفاعل السُنّة النبويّة مع مفاهيم الحداثة يثير تساؤلات حول كيفية التوفيق بين القيم الإسلاميّة التقليديّة ومتطلبات العصر، بحيث يمكن تناول بعض النقاط الرئيسيّة التي تربط بين أهل البيت، والحداثة، والعقل، وأوروبا.

أهل البيت
أهل البيت، وهم عائلة النبي محمد(ص)، يمثّلون ركنًا أساسيًّا في الفكر الشيعي. يُنظر إلى أهل البيت كمصدر رئيسيّ للتوجيه الدينيّ والأخلاقيّ، مما يُعطيهم مكانة خاصّة في التفسير والتأويل الدينيّ. في ضوء الحداثة، يمكن دراسة كيفية استثمار تراث أهل البيت لتعزيز قيم مثل العدالة الاجتماعيّة وحقوق الإنسان، وذلك من خلال تفسيرات تتماشى مع متطلبات العصر.

الحداثة
الحداثة، بما تحمل من مفاهيم جديدة وتكنولوجيا متقدمة، تُعتبر تحدّيًا وفرصة في الوقت نفسه. فيمكن النظر إلى السنّة النبويّة كإطار يمكن من خلاله استيعاب هذه المفاهيم دون المساس بجوهر الدين. ويمكن أن توفر السُنّة النبويّة نماذج للإبداع والتجديد، بحيث يتم دمج التكنولوجيا والابتكار في الحياة اليوميّة للمسلمين بطرق تتوافق والقيم الإسلاميّة.

العقل
العقل يلعب دورًا مهمًا في الفكر الإسلامي، وخصوصًا في التيارات الشيعيّة التي تقدر العقلانيّة وتعتبرها جزءًا لا يتجزأ من الدين. يُمكن استخدام العقل كأداة لفهم السُنّة النبويّة بطرق تتماشى مع المستجدات العلميّة والفكريّة. يمكن للعقل أن يكون جسراً بين التراث الإسلامي ومتطلبات العصر الحديث، مما يُسهم في إيجاد حلول للمُشكلات الراهنة بطرق مُبتكرة.

أوروبا
التفاعل مع أوروبا وتجاربها في مجال الحداثة يمكن أن يكون مفيدًا للمسلمين. يمكن دراسة كيفية استفادة الفكر الإسلامي من تجارب الحداثة الأوروبيّة في مجالات مثل حقوق الإنسان، والديمقراطية، والتعليم. إن التفاعل مع الثقافات المختلفة يمكن أن يُثريّ الفكر الإسلاميّ ويُعزز من قدرته على التكيّف مع مقتضيات العصر.

إنّ الربط بين السُنّة النبويّة والحداثة يتطلّب فهمًا عميقًا للتحديّات والفرص التي تطرحها الحداثة. فمن خلال الاستفادة من تراث أهل البيت، واستخدام العقل كأداة لفهم النصوص الدينيّة، يمكن للمسلمين أن يجدوا طرقاً مبتكرة للتفاعل مع العصر الحديث دون التخلّي عن قيمهم الدينيّة.

العقل في الفكر الشيعي
القبانجي شخصية دينية شيعيّة معروفة بفهمها العميق للعقائد الشيعيّة. يُعتبر العقل في الشيعية العقيدية جزءًا مهمًا من التفكير الديني، حيث يُشجع على استخدام العقل والتفكير النقدي لفهم الأمور الدينيّة بشكل أعمق. وقد يكون القبانجي قد تناول موضوع العقل ودوره في فهم الدين وتطبيقه في حياة المؤمنين. وهو يشجع الفكر الشيعي على استخدام العقل لفهم الدين بشكل أعمق وتطبيقه في الحياة اليومية. فالعقل يلعب دورًا مهمًا في الفكر الشيعي، حيث يُعتبر العقل والعقلانية جزءًا أساسيًا من التفسير الديني والتأمل في المُعتقدات الشيعيّة.

القبانجي، وكونه عالم دين شيعي بارز، قد أشاد بأهميّة العقل في فهم الدين وحلّ المسائل الدينيّة والفقهيّة، يُروّج للاجتهاد العقلي والتفكير النقديّ كوسيلتين أساسيتين لفهم الشريعة وتطبيقها بطريقة ملائمة للزمان والمكان.

بالاعتماد على تعاليم الإماميّة الإثني عشرية، يُعتبر استخدام العقل والتفكير النقدي سمة مميزة في الفكر الشيعي. ينظر الشيعة إلى العقل باعتباره وسيلة لفهم الحقيقة والوصول إلى المعرفة، فلا تعَارض بين العقل والإيمان، بل يُروّجون لتوازن بين الحداثة والتقليد، بين العقل والنقل.

من هنا، يمكن اعتبار صدرالدين القبانجي من العلماء الشيعة الذين يروّجون لاستخدام العقل في فهم الدين وتطبيقه في الحياة اليومية، ويسعى لتشجيع التفكير النقدي والتأمل العقلي بما يتماشى مع التعاليم الشيعيّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى