خياران أمام “حزب الله”: ما لهما وما عليهما
كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
بدا الموفد الاميركي آموس هوكشتاين خلال زيارته لبيروت متفائلاً بإمكان استكمال تطبيق مندرجات اتفاق وقف إطلاق النار خلال المدة المتبقية من مهلة الـ60 يوماً، مؤكّداً انّ الانسحابات الإسرائيلية ستستمر وصولاً حتى الخط الأزرق، فهل ستتمكن واشنطن فعلاً من دفع تل أبيب إلى تطبيق الاتفاق بحذافيره؟ ام أنّ الاسرائيلي يناور ويستعد للبقاء في بعض نقاط المنطقة الحدودية حتى إشعار آخر؟ وما هي خيارات «حزب الله» اذا تواصلت الخروقات الإسرائيلية؟
خلال المفاوضات على وقف الحرب الإسرائيلية ضدّ لبنان، كان «حزب الله» يطرح ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الفوري من الأراضي التي توغل اليها جيش الاحتلال بالتزامن مع اعلان وقف إطلاق النار، لكن التسوية انتهت إلى إقرار الانسحاب خلال 60 يوماً.
وبهذا المعنى، فإنّ «حزب الله» كان يستشرف احتمال أن يستفيد الكيان الإسرائيلي من مهلة الشهرين ليفعل ما يفعله منذ أن تمّ التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، لكن الحزب لم يصنع آنذاك من هذه الجزئية «عقدة»، وذلك تسهيلاً لإنجاز الاتفاق.
وإثر تمادي الاحتلال الإسرائيلي في خروقاته وانتهاكاته للسيادة اللبنانية، اعلن الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في إطلالته الأخيرة عن أنّ «صبرنا قد ينفد قبل انتهاء الـ60 يوماً او بعدها»، مشيراً إلى انّ قيادة المقاومة هي التي تقرّر متى وكيف تقاوم.
وبناءً عليه، ترك قاسم الباب موارباً على كل الاحتمالات، في انتظار استنفاد كل الفرص المعطاة للدولة وللجنة الإشراف، من أجل لجم الاعتداءات والتجاوزات الإسرائيلية بالتي هي أحسن.
ومسألة الاستخفاف الإسرائيلي باتفاق وقف إطلاق النار كانت مادة أساسية للنقاش بين الرئيس نبيه بري ووفد من كتلة «الوفاء للمقاومة» برئاسة النائب محمد رعد، في أولى إطلالاته العلنية قبل أيام، حيث جرى عرض للواقع السائد على الأرض في الجنوب، ولمحاولات معالجته بالوسائل الديبلوماسية، استناداً إلى مداولات بري مع رئيس لجنة الإشراف والمراقبة الجنرال الأميركي جاسبر جيفيرز، ثم مع آموس هوكشتاين الذي التقى رئيس المجلس وشارك في اجتماع اللجنة، بعدما «سلّفته» تل أبيب انسحاباً من الناقورة بالترافق مع وجوده فيها لحضور الاجتماع.
ومن الواضح أنّ الحزب يدرس خياراته بتأنٍ، ويقيس سلبيات وإيجابيات كل منها، بعيداً من العواطف والانفعالات، خصوصاً في ما يتعلق بخياري الصبر على الخروقات الإسرائيلية او الردّ عليها.
تعرف قيادة الحزب انّ كلاً من الاحتمالين يختزن فرصاً وتهديدات، ويتضمن حسنات وسيئات، وبالتالي هي تحسب خطواتها جيداً، لأنّ المرحلة لا تتحمّل اي دعسة ناقصة، خصوصاً انّ الحزب وبيئته لا يزالان في طور «النقاهة» ولملمة آثار الحرب.
أما في حسابات الحزب، فإنّ خيار الصبر الذي اعتمده حتى الآن ينطوي على المردود الآتي:
ـ تفادي الانزلاق إلى اي فخ محتمل، قوامه استفزاز الحزب لاستدراجه إلى عمل عسكري انفعالي، يستخدمه العدو الإسرائيلي ذريعة لاستئناف حربه على المقاومة وبيئتها، في ظل متغيّر جيوسياسي يخدم مصلحته ويتمثل في سقوط نظام بشار الأسد وانقطاع خط الإمداد السوري لـ«حزب الله».
ـ وضع الدولة والجيش وقوات «اليونيفيل» ولجنة الإشراف تحت المجهر، وتحميلهم مسؤولية معالجة الانتهاكات الإسرائيلية، وكشف عدم احترام تل أبيب لا الشرعية اللبنانية ولا الشرعية الدولية.
ـ إعادة تثبيت جدوى المقاومة وتجديد شرعيتها على وقع التحدّي الذي يواجه البدائل الأخرى، بعدما ذهب البعض إلى الافتراض بأنّ العدوان الإسرائيلي الاخير أنهى دورها الميداني ومبرر وجودها.
ـ التركيز على استكمال مسار تعافي الحزب وتكيّفه مع ظروف المرحلة الجديدة.
ـ إيلاء الاهتمام اللازم لورشة إعادة إعمار ما هدّمته الحرب الإسرائيلية، وتأمين المتطلبات الضرورية والملحّة للبيئة الحاضنة التي تعرّضت للإنهاك وتحتاج إلى رعاية على أكثر من صعيد.
في المقابل، فإنّ خيار الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية، اذا استمرت، يرتكز وفق نمط تفكير «حزب الله» على الأسباب الموجبة الآتية:
ـ وجوب عدم التفريط بالإنجازات التي حققها صمود المقاومة في الميدان خلال المواجهات، لا سيما منها البرية، بعدما تبين انّ الطرف الإسرائيلي يحاول ان يكرّس في ظل وقف إطلاق النار وقائع ميدانية عجز عن فرضها بفائض النار.
ـ تمادي الجانب الإسرائيلي في الخروقات النافرة، منذ الإعلان عن الاتفاق، بحيث لا يستطيع الحزب الاستمرار في التغاضي عنها لفترة طويلة، خصوصاً انّها تشكّل تحدّياً لـ«كبرياء» المقاومة وتضع مجمل أدبياتها على المحك.
ـ إنّ المقاومة لتحرير الأرض اللبنانية المحتلة هي حق ثابت ومكفول بكل الشرائع الإنسانية والدولية، وأي عملية قد ينفّذها الحزب داخل الأراضي اللبنانية التي توغل فيها الاحتلال الإسرائيلي خلال او بعد الحرب الأخيرة هي مشروعة ومبررة بكل المعايير.
ـ إفهام العدو الاسرائيلي وخصوم الداخل بأنّ الحزب لم يُهزم ولم يضعف، حتى لا تؤدي التقديرات المغلوطة إلى استنتاجات خاطئة قد تُبنى عليها قرارات وتصرفات متهورة.
يبقى انّ «حزب الله» معني بأن يوازن بأعصاب باردة بين الآثار المترتبة على سلوكه هذا المسار او ذاك، تبعاً للمنحى الذي ستتخذه التطورات الميدانية في الأيام المقبلة، وهو سيختبر وعود هوكشتاين المنبرية على أرض الواقع حتى يبني على الشيء مقتضاه.