خطة واشنطن لإجهاض انتصار المقاومة والمطلوب فلسطينياً لإحباطها…
الكاتب : حسن حردان
كما هبّت واشنطن بكلّ مسؤوليها الكبار، الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، ووزير دفاعه لويد اوستن، لحماية الكيان من تداعيات هجوم المقاومة في 7 أكتوبر في غلاف غزة، وتقديم كلّ أشكال الدعم له لتمكين حكام تل أبيب من العودة إلى التماسك واستيعاب حجم الضربة القاسية الني مُنيَ بها جيش الاحتلال.. تحركت واشنطن اليوم بعد أكثر من ثلاثة أشهر من العدوان الإسرائيلي الأميركي الذي فشل في تحقيق أيّ من أهدافه في قطاع غزة، لأجل احتواء هذا الفشل والحد من مخاطر تعرّض الكيان لهزيمة أكثر قساوة بدأت تلوح في الأفق، وتؤدّي الى تحقيق المقاومة الفلسطينية انتصاراً مدوياً وغير مسبوق بحجمه وآثاره وتداعياته «إسرائيلياً» وفلسطينياً، وعربياً، وذلك عبر خطين:
الخط الأول عسكري، بالعمل على إقناع حكومة نتنياهو ومجلسها الحربي بالانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب بحيث يخرج جيش الاحتلال تدريجياً من مستنقع غزة الذي أغرقته فيه المقاومة، والانسحاب إلى محيط قطاع غزة، وهو ما بدأ به في شمال غزة، والعمل على شنّ عمليات انتقائية نوعية ضدّ المقاومة، تقلل من خسائر جيش الاحتلال وصولاً الى وقف الحرب من ناحية، والحدّ من قتل المدنيين الذي أحرج إدارة بايدن لدى الرأي العام الأميركي وعلى المستوى الدولي من ناحية ثانية، والبدء بإقامة حزام أمني بعمق كيلومتر في داخل غزة لإبعاد المقاومة عن السياج الأمني وتوفير الأمن للمستوطنين في مستوطنات غلاف غزة وإقناعهم بالعودة إليها…
الخط الثاني سياسي، ويستهدف حماية الكيان من دفع الثمن السياسي لفشله في تحقيق أهداف عدوانه، وبالتالي هزيمته أمام المقاومة، وذلك بالعمل على تطويق وإجهاض انتصار المقاومة، من خلال الترويج لحلّ سياسي لإنهاء الحرب على غزة، تحصد من خلاله «إسرائيل» مكاسب عجزت عن تحقيقها في الميدان، وهذا الحلّ الذي يعمل وزير خارجية أميركا أنتوني بلينكن على تسويقه، يستهدف:
أولاً، إقناع حكومة نتنياهو بأنّ هناك حاجة ماسة لإعادة النظر بطريقة الاستمرار في خوض الحرب ضدّ حركة حماس، وفصائل المقاومة الفلسطينية، وانّ واشنطن التي قدّمت كلّ ما تستطيع لدعم «إسرائيل» لأجل تمكينها من تحقيق أهداف حربها للقضاء على حماس وتحرير الأسرى الصهاينة من دون شروط، وتغيير الوضع القائم في غزة، ترى أنّ «إسرائيل» لم تنجح في ذلك رغم الوقت الكافي الذي مُنح لها، وانّ الظروف الآن لم تعد في مصلحة واشنطن وتل أبيب لمواصلة الحرب في غزة، فلا المقاومة ضعفت، و«إسرائيل» باتت في عزلة دولية، وإدارة بايدن تعاني من تراجع شعبيتها لدى الرأي العام الأميركي، في حين انّ جيش الاحتلال الاسرائيلي أصبح يعاني من نزف كبير وبحاجة إلى الخروج منه سريعاً، بينما هناك مخاطر من توسّع دائرة الحرب في المنطقة وهو أمر ليس في مصلحة أميركا و«إسرائيل»…
ثانياً، انّ ما هو مطلوب التفكير بطريقة أخرى، لمحاولة اننزاع أوراق القوة التي تملكها المقاومة في غزة.. وفي طليعتها ورقة الأسرى عبر العمل على اتفاق جديد لتبادل الأسرى من خلال إبداء مرونة «إسرائيلية» في هذا المجال، ومحاولة استدراج المقاومة لاتفاق لا يحقق مطالبها، ومن ثم رهن الوقف النهائي للحرب وفكّ الحصار عن غزة وإعادة الإعمار، بنزع سلاح المقاومة وإخراج قياداتها من القطاع، وعودة السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة برعاية من دول المنطقة، مع القبول بمشاركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية.. بما يؤدّي تدريجياً إلى وقف الحرب، وإيجاد المخارج السياسية التي تنهي الصراع، وصولاً إلى إعادة تعويم حلّ الدولتين الذي يحظى بتأييد أميركي ودولي ودول المنطقة.. باعتباره السبيل لتحقيق «السلام وتأمين الأمن والاستقرار لكيان الاحتلال الاسرائيلي» من المنظور الأميركي.. وفي هذا السياق أعلن بلينكن بعد لقاءاته مع المسؤولين الاسرائيليين:
1 ـ «الاتفاق مع الجانب الإسرائيلي على دخول بعثة أممية إلى شمال قطاع غزة لضمان عودة النازحين الفلسطينيين إلى منازلهم. في حين بحث مع القادة الإسرائيليين الحملة العسكرية والتخطيط لأن تقوم الأمم المتحدة بإجراء تقييم لضمان عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة».
2 ـ في ما يتعلق بإعادة إعمار قطاع غزة، أكد بلينكن أنّ «العديد من دول المنطقة مستعدة للاستثمار في مستقبل غزة، لكن فقط في ظلّ وجود مسار واضح للدولة الفلسطينية».
3 ـ زيادة مستوى المساعدات الإنسانية التي تصل إلى المدنيين في غزة.
لكن هذه الخطة التي تروّج لها واشنطن لإنقاذ كيان الاحتلال، وإجهاض انتصار المقاومة، تذكرنا بنفس المحاولات الأميركية لإجهاض انتصار المقاومة في حرب تموز عام 2006.. فتحقيق أهداف واشنطن المذكورة مرهون بموقف المقاومة المنتصرة في الميدان، والتي أعلنت رفضها لكلّ هذه المناورات الأميركية، وأكدت أنها لن تقبل بمثل هذه الحلول المسمومة، وانّ المعبر الوحيد إنما يكمن في وقف نهائي للعدوان وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة وفك الحصار وإدخال المساعدات وإعادة الإعمار من دون شروط، وبعد ذلك يجري التفاوض على صفقة شاملة لتبادل الأسرى، أما إدارة قطاع غزة فهذا شأن فلسطيني داخلي تقرّره جميع الفصائل الفلسطينية مجتمعة بعيداً عن الشروط والإملاءات الأميركية ـ الإسرائيلية…
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول انّ معركة اليوم التالي لوقف الحرب على غزة قد بدأت، وما هو مطلوب فلسطينياً العمل على بلورة موقف وطني موحد لاستثمار انتصار المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني سياسياً، بما يحقق تطلعاته الوطنية، ويقطع الطريق على المشاريع الأميركية الصهيونية لإجهاض انتصار المقاومة…