كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:
قد يكون مشهد توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة من أكثر المشاهد التي كانت مطلوبة لدى الجزء الأكبر من الجمهور اللبناني المكتوي بالانهيار المالي والاقتصادي، والذي يحمّل الحاكم السابق تبعات الانهيار، ومشاركته في فساد وإفساد الطبقة السياسية والإعلامية برمتها، بتغطية من قوى دينية، على رأسها البطريرك الماروني بشارة الراعي، وكذلك سياسية رفيعة، بالتكافل مع كبار المصرفيين (الموارنة منهم تحديداً) وجمعية المصارف وغالبية وجوهها. وربما لا يجد سلامة من يدافع عنه لشخصه وارتكاباته الجمّة إلا مجموعة المنتفعين منه، رغم أن بعضهم غاب عن السمع تماماً.وإلى الأسئلة المشكّكة في العملية بذاتها وحيثياتها، طرح التوقيف لدى الفريق الذي يعارض الثنائي الشيعي ملاحظات كثيرة حول توقيته وهدفه ومغزاه وانعكاسه على ملفات أخرى، ومنها:
أولاً، التهليل المبالغ فيه للتيار الوطني الحر لتوقيف الحاكم السابق لا يخفي حقيقة مسؤولية التيار ورئيسه النائب جبران باسيل والرئيس السابق ميشال عون عن التمديد لسلامة. ورغم كل محاولات النفي السابقة – واللاحقة – على لسان عون وباسيل، فإن ما حصل في جلسة مجلس الوزراء التي أقرّت التمديد يعرفها كل من كان في الجلسة وخارجها، كما يعرفون أن أي طرف لم يتخطّ رئيس الجمهورية الماروني في التمديد لموقع ماروني من الصف الأول. ولا يمكن للتيار أن يخفي تغطيته لسلامة في سنوات العهد، والاستفادة منه، قبل أن يشن حملة إعلامية ضده. وهو ما يحاول التيار تكراره اليوم مع النائب إبراهيم كنعان بالتنصّل منه، وكأنّ كنعان تصرّف كرئيس للجنة المال والموازنة منفصلاً عن سياسة التيار وإدارته للملفات المالية واستفادته منها لسنوات.
ثانياً، توقيت التوقيف يثير تساؤلات عما إذا كان رسالة «حسن نية» إلى المجتمع الدولي المالي قبل إدخال لبنان على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي. ويلفت هذا الفريق إلى أن الإشارة تتعدى الرغبة الحكومية والإدارة المالية المركزية، لتوضع في يد الثنائي الشيعي. وتلفت في هذا السياق إلى دور الحاكم بالإنابة وسيم منصوري الذي لا ينفك يردّد أن لبنان يقوم بالمستحيل لمنع إدراجه على هذه القائمة. ولا يُنظر إلى دور منصوري في تسهيل توقيف سلامة مالياً فحسب، لأنه كانت هناك على ما يبدو نية لتوقيفه بأي حجة. لكنّ المفارقة، بحسب هؤلاء، أن فريق الثنائي الشيعي، الذي يُحسب عليه منصوري، يظهر اليوم في مظهر من قدّم سلامة إلى العدالة، في حين حمته القوى المسيحية وغطّت ارتكاباته لسنوات ودافعت عنه وكأنه قدس الأقداس، رغم أن الانهيار المالي لحق بمؤسسات مسيحية عدة ضاعت أموالها في المصارف، لصالح تمرير مخالفات مالية لمحظيين كنسيين وسياسيين وإعلاميين، في عمليات مالية ملتوية. وبالتالي، فإن الثنائي اليوم يستفيد من هذه الفرصة ليظهر مدافعاً عن حقوق المودعين، وعن سياسة فريقه المالية في إدارة الأزمة بمندرجاتها كافة.
الحيثيات التي رافقت دور الحاكم بالإنابة سترخي بثقلها على ملف قيادة الجيش ومستقبل التمديد لقائده
ثالثاً، ما حصل مع سلامة والحيثيات التي رافقت دور الحاكم بالإنابة، سترخي بثقلها على ملف قيادة الجيش ومستقبل التمديد للعماد جوزف عون وشغور مركز القيادة. فما حصل في تغطية القوات اللبنانية لنيابة منصوري في الحاكمية، سيكون اليوم موضع نقاش، خصوصاً بعدما كان الرئيس نبيه بري قد رفض رمي كرة النار في يد الثنائي، وردّد أنه سيطلب من منصوري الاستقالة، قبل أن يحصل له على «كارت بلانش» في السياسة المالية. في حين سهّلت القوات هذه المهمة، وأشاد نائبها جورج عدوان مراراً بأداء منصوري المالي في أكثر من مناسبة وتصريح في الأشهر الأخيرة. أما اليوم، ومع اقتراب انتهاء الولاية الممدّدة لعون، فإن الموضوع سيثير حساسيات ليس على خلفيات قانونية أو مساءلات قد يتعرض لها عون، بل لأسباب سياسية وطائفية، خصوصاً أنه يُنقل عن النائب السابق وليد جنبلاط استمرار معارضته انتقال إدارة الجيش إلى الطرف الدرزي. فإخراج المسيحيين من اللعبة السياسية على هذا النحو أمر لا يستسيغه جنبلاط في ظل الظروف الراهنة، رغم كل الأخطاء التي ترتكبها قوى مسيحية فاعلة في حقه، لأن لديه حسابات سياسية مختلفة تماماً.
يبقى أن تطورات ملف سلامة، ستكون يومياً تحت المعاينة. فعلى تطوراتها سيُبنى الكثير من الحسابات السياسية، بعدما خلطت الأوراق الداخلية، حين كان الجميع غارقاً في حسابات الجنوب والتصعيد الإسرائيلي، في وجه آخر من وجوه تأثيرات الثنائي في المشهد السياسي والعسكري، وحالياً المالي والقضائي.