يجد كثيرون صعوبة في تقبّل وجود أشخاص مستقلّين ولا يشعرون بالارتياح في التعامل مع الآخر إلا عن طريق تصنيفه ضمن #الانقسامات السياسية الطائفية والتجمعات المعروفة أكانوا من مؤيديها أم من المتخاصمين معها.
المستقلّ غير الملتحق بقطيع معيّن هو ذئب منفرد خطير كما يصفه الدكتور #أحمد عياش. وفي الصراع المحموم على بقايا الدولة لا يوجد مكان لمن هم خارج المتاريس التي أقامها المتحاربون.
في الثالث من آذار الماضي نشرت “النهار” في زاوية “بالنظام” مقالًا لكاتب هذه السطور بعنوان “65 صوتاً في الدورة القادمة”. حصل ذلك قبل انعقاد “جلسة” انتخاب رئيس الجمهورية آنذاك، وكان المرشح المتقدم الذي يعمل مؤيدوه على تأمين 65 صوتًا هو الأستاذ سليمان فرنجية. تطرّق المقال إلى الأكثرية المطلوبة للفوز معتبرًا أن تلك الجلسة ليست جلسة جديدة بل هي جزء من جلسة واحدة وحيدة مستمرة تتضمن دورات اقتراع عديدة، وأن دورات الاقتراع التي سوف تحصل حينها ليست دورة أولى، والفوز فيها يتم بالغالبية المطلقة فقط أي بخمس وستين صوتًا.
بعد ثلاثة أشهر وقبيل جلسة التقاطع الشهيرة في 14 حزيران أعيد التأكيد على الموقف الدستوري المذكور من أكثرية الـ 65، من منطلق التفسير الصحيح لأحكام الدستور. بعض المتقاطعين استحسنوا الفكرة وقاموا بمحاولة تأمين الفوز بالغالبية المطلقة للمرشح الأستاذ جهاد أزعور. فما كان من عدد من المتابعين إلّا أن أدرجوا مقال حزيران في إطار مؤامرة حاكتها قوى سياسية ضد قوى أخرى… وتناسوا أن القاعدة نفسها كُتبت قبل ثلاثة أشهر وحين كانت تصب في صالح المرشح الآخر.
اليوم يُحكى عن تعيين مدير مؤقت أو حارس قضائي على مصرف لبنان، إذا امتنع نواب الحاكم عن تولّي مهامهم واستقالوا… إن تأييد هذا الطرح أو تفنيده قد يُعتبر تأييدًا لفريق سياسي معيّن، أو معارضة له عملًا بنهج التصنيف في المتاريس. لكن ذلك لن يمنع من التذكير بالحقائق الاتية:
- السابقةُ التي انطلق منها الجميع للتفكير بهذا الحل، كانت تعيين مدير موقت لشركة تلفزيون لبنان في العام 2014 من قبل قاضي الأمور المستعجلة بناء على طلب وزير الإعلام بصفته ممثل مالك الأسهم في شركة التلفزيون، والمدخل القانوني للحل كان الطبيعة القانونية للتلفزيون أي كونه شركة مساهمة مسجلة في السجل التجاري رغم تملك الدولة كامل اسهمها في العام ١٩٩٤.
- مصرف لبنان هو “شخص معنوي من أشخاص القانون العام” كما تنص المادة 13 من قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي، وهو ليس شركة كالتلفزيون، ولئن أُعطي صلاحيات القيام بعمليات ذات طابع تجاري مصرفي إضافة الى دوره التنظيمي.
- القضاء العدلي يخرج عن اختصاصه الوظيفي خروجًا مطلقًا كل شأن يتعلق بملء المناصب العامة. أما القضاء الإداري فيخضع لمبدأ فصل السلطات الذي نص عليه الدستور، وإذا كان يتولى الرقابة على شرعية أعمال السلطة الإجرائية فلا يحق له الحلول محلها وملء الفراغ الناتج عن تقاعسها وإن كان عن طريق تدابير العجلة. وإن التسليم بهذا الخيار والقفز فوق مبدأ فصل السلطات لا حدود له وماذا يمنع حينها من المطالبة بتعيين حارس قضائي على مناصب عسكرية أو دستورية كرئاسة الجمهورية.
- إن المادة 66 من الدستور وضعت الوزراء على رأس مصالح الدولة وأناطت بهم تطبيق الانظمة والقوانين كل بما يتعلق بالامور العائدة الى ادارته.