حين يتحول العلم إلى محاصصة: تجربة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين

حين يتحول العلم إلى محاصصة: تجربة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين

كتب رمزي عوض

في عام 2003، افتتحتُ صيدلية بيطرية في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، وكنت الطبيب البيطري الوحيد هناك، في ذلك الوقت، كان وباء إنفلونزا الطيور منتشرًا عالميًا، مما أثار مخاوف عديدة حول إمكانية وصوله إلى لبنان، وبحكم تخصصي، قمتُ بدراسة علمية قدمتها إلى نقابة الأطباء البيطريين في لبنان، شرحتُ فيها أن وصول الفيروس إلى الطيور المحلية أمر مستبعد جدًا، نظرًا لخريطة هجرة الطيور. وركزتُ في دراستي على ضرورة تشديد الرقابة على المنافذ البرية والبحرية والمطار، حيث يكمن الخطر الحقيقي في دخول أشخاص مصابين بالفيروس، وليس الطيور نفسها.

أثمرت هذه الدراسة عن لقاء غير رسمي مع وزير الزراعة اللبناني آنذاك، علي حسن خليل، حيث شرحتُ له كل التفاصيل، وكان للنقاش أثر في توضيح الصورة حول كيفية التعامل مع التهديد المحتمل للوباء.

لكن المفارقة الحقيقية لم تكن هناك، بل في داخل المخيم نفسه، فقد شكلت اللجان الشعبية لجنة خاصة لمتابعة ملف إنفلونزا الطيور، لكن دون أي دعوة لي للانضمام إليها، رغم أنني كنت المختص الوحيد، وكانت اللجنة مكونة بالكامل من غير المختصين، بل كانت من السياسيين، وبات عملها أقرب إلى الاستعراض منه إلى الجدية العلمية.

في إحدى المرات، أبلغني بعض الجيران أن اللجنة أعلنت عن وجود دجاج مصاب بالمرض وأغلقت المنطقة، فتوجهتُ للاستفسار، فأكدت لي اللجنة صحة الخبر، وطلبتُ رؤية الدجاجات الميتة التي لم يعترف أي من السكان بملكيتها. وأخيرًا، سمحوا لي بفحصها، فقمت بتشريحها أمام عدد كبير من الحضور من المخيم، وأعلنتُ أن سبب الوفاة ليس إنفلونزا الطيور، بل عدوى بكتيريا السالمونيلا.

ما حدث بعد ذلك كان عبثيًا، إذ قام أحد أعضاء اللجنة بالاتصال بأحد الصحفيين وأعلن أمام الجميع أن الدجاج مات بسبب “وباء جديد”، وأنهم سيبقون المنطقة مغلقة، ثم طلب منه نشر تصريح باسمه! عندها، لم أتمالك نفسي من الضحك على هذا الجهل الممنهج، غسلتُ يدي وعدتُ إلى صيدليتي، مدركًا أن اللجان التخصصية في المخيمات الفلسطينية تُدار وفق مبدأ المحاصصة وليس وفق الكفاءة والاختصاص.

اليوم، يتكرر المشهد في قض
ايا أخرى، وسأتحدث عنها بالتفصيل إن لم يتم تصحيح المسار، فالتفتيش الصحي يجب أن يكون للمختصين في مجاله، كما أن الهندسة للمهندس، والطبابة للطبيب، والصيدلة للصيدلي. العلم لا يخضع للمحاصصة، وإلا فسنظل ندور في دوائر الجهل، على حساب صحة الناس وسلامة المجتمع، والخطورة أن يكون هذا نهجنا في قضايانا الوطنية.

Exit mobile version